الكلام وذهبت طراوته، الأمر الذي لا يليق بمن أوتي جوامع الكلم، ومن هو أفصح من نطق بالضاد، - صلى الله عليه وآله وسلم -،ويزيده تأييدا الوجوه الآتية:
الثاني: مشاركتهن الرجال في العلة التي من أجلها شرعت زيارة القبور: «فإنها ترق القلب وتدمع العين وتذكر الآخرة».
الثالث: أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قد رخص لهن في زيارة القبور، في حديثين حفظتهما لنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:
١ - عن عبد الله بن أبي مليكة:(أن عائشة أقبلت ذات يوم من المقابر، فقلت لها: يا أم المؤمنين من أين أقبلت؟ قالت: من قبر عبد الرحمن بن أبي بكر، فقلت لها: أليس كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - نهى عن زيارة القبور؟ قالت: نعم: ثم أمر بزيارتها).وفي رواية عنها (أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - رخص في زيارة القبور).أخرجه الحاكم (١/ ٣٧٦) وعنه البيهقي (٤/ ٧٨) من طريق بسطام بن مسلم عن أبي التياح يزيد بن حميد عن عبد الله بن أبي مليكة، والرواية الاخرى لابن ماجه (١/ ٤٧٥).
قلت: سكت عنه الحاكم، وقال الذهبي (صحيح)، وقال البوصيري في (الزوائد)(٩٨٨/ ١): (إسناده صحيح رجاله ثقات).وهو كما قالا. وقال الحافظ العراقي في (تخريج الإحياء)(٤/ ٤١٨): (رواه ابن أبي الدنيا في (القبور) والحاكم بإسناد جيد) (١).
(١) قلت: وقد أعله ابن القيم بشئ عجيب، والأحرى بلا شيء! فقال في (تهذيب السنن) (٤/ ٣٥٠): (وأما رواية البيهقي فهي من رواية بسطام بن مسلم، ولو صح، فعائشة تأولت ما تأول غيرها من دخول النساء)! قلت: وبسطام ثقة بدون خلاف أعلمه، فلا وجه لغمز ابن القيم له، والاسناد صحيج لا شبهة فيه. ولا يعله ما أخرجه الترمذي (٢/ ١٥٧) من طريق ابن جريج عن عبد الله ابن أبي مليكة قال: توفي عبد الرحمن بن أبي بكر ب (الحبشي) (مكان بينه وبين مكة اثنا عشر ميلا) فحمل إلى مكة فدفن فيها، فلما قدمت عائشة أتت قبر عبد الرحمن بن أبى بكر فقالت: وكنا كندماني جذيمة حقبة من الدهر حتى قيل: لن يتصدعا فلما تفرقتا كأني ومالكا لطول اجتماع لم نبت ليلة معا ثم قالت: والله لو حضرتك ما دفنت إلا حيث مت، ولو شهدتك ما زرتك) وكذا أخرجه ابن أبي شيبة في (المصنف) (٤/ ١٤٠)، واستدركه الهيثمي فأورده في (المجمع) وقال: (٣/ ٦٠): (رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح)، فوهم في الاستدراك لاخراج الترمذي له، ورجاله رجال الشيخين لكن ابن جريح مدلس وقد عنعنه. فهي علة الحديث، ومع ذلك فقد ادعى ابن القيم (٤/ ٣٤٩) أنه (المحفوظ مع ما فيه).كذا قال، بل هو منكر لما ذكرنا ولانه مخالف لرواية يزيد بن حميد وهو ثقة ثبت عن ابن أبي مليكة، ووجه المخالفة ظاهرة من قوله (ولو شهدتك ما زرتك) فانه صريح في أن سبب الزيارة إنما هو عدم شهودها وفاته، فلو شهدت ما زارت، بينما حديث ابن حميد صريح في أنها زارت لان النبيص أمر بزيارة القبور، فحديثه هو المحفوظ خلاف ما ذهب إليه ابن القيم رحمه الله تعالى. وأما ما ذكره من تأول عائشة فهو محتمل، ولكن الاحتمال الاخر وهو أنها زارت بتوقيف منهص أقوى بشهادة حديثها الاتي.