علمت أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال:«لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، والمسجد الأقصى»، ودع عنك الطور فلا تأته».أخرجه الازرقي «في أخبار مكة»(ص ٣٠٤) بإسناد صحيح رجاله رجال الصحيح، وأورد المرفوع منه الهيثمي في «المجمع»(٤/ ٤) وقال: «رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله ثقات».
وفي هذه الأحاديث تحريم السفر إلي موضع من المواضع المباركة، مثل مقابر الانبباء والصالحين، وهي وإن كانت بلفظ النفي «لا تشد»، فالمراد النهي كما قال الحافظ، على وزن قوله تعالى:{فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج}، وهو كما قال الطيبي:«هو أبلغ من صريح النهي، كأنه قال: لا يستقيم أن يقصد بالزيارة إلا هذه البقاع لاختصاصها بما اختصت به».
قلت: ومما يشهد لكون النفي هنا بمعنى النهي رواية لمسلم في الحديث الثاني: «لا تشدوا».ثم قال الحافظ:
«قوله: «إلا إلى ثلاثة مساجد»، الاستثناء مفرغ، والتقدير لا تشد الرحال
إلى موضع، ولازمه منع السفر إلى كل موضع غيرها، لان المستثنى منه في المفرغ مقدر بأعم العام، ولكن يمكن أن يكون المراد بالعموم هنا المخصوص، وهو المسجد».
قلت: وهذا الاحتمال ضعيف، والصواب التقدير الأول؛ لما تقدم في حديث أبي بصرة وابن عمر من إنكار السفر إلى الطور، ويأتى بيانه، ثم قال الحافظ:
«وفي هذا الحديث فضيلة هذه المساجد، ومزيتها على غيرها لكونها مساجد الأنبياء، ولأن الأول، قبلة الناس، وإليه حجهم، والثاني كان قبلة الأمم السالفة،