واختلف في شد الرحال إلى غيرها كالذهاب إلى زيارة الصالحين أحياءً وأمواتاً، وإلى المواضع الفاضلة، لقصد التبرك بها، والصلاة فيها، فقال الشيخ أبو محمد الجويني (١): «يحرم شد الرحال إلى غيرها عملاً بظاهر الحديث»، وأشار القاضي حسين إلى اختياره، وبه قال عياض وطائفة، ويدل عليه ما رواه أصحاب السنن من إنكار أبي بصرة الغفاري على أبي هريرة خروجه إلى الطور، وقال له:«لو أدركتك قبل أن تخرج ما خرجت»، واستدل بهذا الحديث، فدل على أنه يرى حمل الحديث على عمومه، ووافقه أبو هريرة، والصحيح عند إمام الحرمين وغيره من الشافعية أنه لا يحرم، وأجابوا عن الحديث بأجوبة:
١ - منها أن المراد أن الفضيلة التامة إنما هي شد الرحال إلى هذه المساجد بخلاف غيرها فإنه جائز، وقد وقع في رواية لاحمد سيأتي ذكرها بلفظ:«لا ينبغي للمطي أن تعمل» وهو لفظ ظاهر في غير التحريم.
٢ - ومنها أن النهي مخصوص بمن نذر على نفسه الصلاة في مسجد من سائر المساجد غير الثلاثة، فإنه لا يجب الوفاء به، قاله ابن بطال.
٣ - ومنها أن المراد حكم المساجد فقط، وأنه لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد للصلاة فيه غير هذه الثلاثة، وأما قصد غير المساجد لزيارة صالح أو قريب أو صاحب، أو طلب علم أو تجارة أو نزهة، فلا يدخل في النهي، ويؤيده ما روى أحمد من طريق شهر بن حوشب قال: سمعت أبا سعيد- وذكرت عنده
(١) هو عبد الله بن يوسف شيخ الشافعية ووالد إمام الحرمين عبد الملك بن عبد الله، كان إماما في التفسير والفقه والادب. مات سنة (٤٣٨). [منه].