للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من قصة السيدة عائشة في نوبة الرسول عليه السلام في البيات عندها، وأن الرسول عليه السلام كان نائماً بجانبها، فانسل من فراشها انسلالاً، وفتح الباب برفق، وخرج، فهي كامرأة غيرة وبشر، حدثتها نفسها أين سيذهب في هذا الليل، فهو يمشي عليه السلام وهي تمشي خلفه، حتى وصل إلى البقيع، وهناك وقف الرسول عليه السلام يدعو لأهل البقيع، ثم أدبر، قالت: فأدبرت، وأسرع فأسرعت، حتى دخلت الحجرة وامتدت على فراشها، وسرعان ما دخل خلفها الرسول عليه السلام كأنه رأى خيالاً أمامه في الطريق، فوجدها تتنهد، الإنسان لما يركض ركضة غير طبيعية لا بد ما يحتاج يعوض الهواء ... قال: «يا عائشة! مالك حشياً رابية؟ قالت: لا شيء يا رسول الله! قال: أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟ إن جبريل أتاني آنفاً، وقال: إن ربك يقرئك السلام، ويأمرك أن تذهب إلى البقيع وتستغفر لهم».

هنا اهتبلتها فرصة، فقالت: يا رسول الله! إذا أنا زرت القبور، ماذا أقول؟ قال: «قولي: السلام عليكم دار قوم مؤمنين ... » إلى آخر الدعاء المعروف.

فأنا ألاحظ أن هذه الحادثة كانت حتماً في المدينة المنورة، والنهي عن زيارة القبور لا يعقل أن يتأخر إلى وقت المدينة المنورة، وإنما هذا يكون في أول الإسلام من باب سد الذريعة، نهاهم عن زيارة القبور، كما تعلمون؛ لأن القبور وزيارتها كانت سبباً لوقوع قوم نوح وأمثالهم في عبادة غير الله عز وجل من المقبورين.

ففي هذا النظر السليم نقول أن قوله عليه السلام: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور» كان في العهد المكي، فقد يستمر هذا النهي ما شاء الله من سنين، لكن ليس معقولاً أن يستمر إلى ما بعد إذن الرسول للسيدة عائشة أن تزور القبور.

<<  <  ج: ص:  >  >>