للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: لقد ترك الشيخ رحمه الله المسألة معلقة، فلم يبت في أنهم كانوا يستقبلونها، أو يستقبلون القبر، وكأن ذلك لعدم وجود رواية ثابتة عنهم في ذلك، ولكن لو فرض أنهم كانوا يستقبلونه، فقد علمت أنهم في هذه الحالة كانوا يستدبرون الغرب لا القبلة، لعدم إمكان ذلك في زمانهم، وسبق أن الاكثرين يقولون باستقبال وجهه - صلى الله عليه وآله وسلم - أيضا عند السلام عليه، وهذا يستلزم استدبار القبلة، الأمر الذي نقطع أنه لم يقع في عهد الصحابة كما سلف، فهذا أمر زائد على استقبال الحجرة، ولا بد له من دليل لإثباته، فهل له من وجود؟ ذلك مما لا أعرفه، ولا رأيت أحداً من العلماء تعرض لهذا، سواء في خصوص قبر الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - أو في القبور عامة. نعم، استدل بعضهم على ذلك بحديث ابن عباس قال:

«مر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بقبور المدينة، فأقبل عليهم بوجهه، فقال: السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن على الأثر».أخرجه الترمذي (٢/ ١٥٦) والضياء في «المختارة» (٥٨/ ١٩٢/١) من طريق الطبراني وقال الترمذي: «حسن غريب».

قلت: في سنده قابوس بن أبي ظبيان قال النسائي: «ليس بالقوي».وقال ابن حبان: «ردئ الحفظ، ينفرد عن أبيه بما لا أصل له».

قلت: وهذا من روايته عن أبيه، فلا يحتج به، ولعل تحسين الترمذي لحديثه هذا إنما هو باعتبار شواهده، فإن معناه ثابت في الأحاديث الصحيحة وقد مضى قريباً ذكر قسم طيب منها، إلا أن قوله: «فأقبل عليهم بوجهه» منكر لتفرد هذا الضعيف به.

إذا عرفت هذا، فقد قال الشيخ علي القاري في «مرقاة المفاتيح» (٢/ ٤٠٧):

«فيه دلالة على أن المستحب في حال السلام على الميت أن يكون وجهه

<<  <  ج: ص:  >  >>