للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص٢٠٨ - ٢٠٩): وقد صنف طائفة من الناس مصنفات في فضائل بيت المقدس وغيره من البقاع التي بالشام، وذكروا فيها من الآثار المنقولة عن أهل الكتاب وعمن أخذ عنهم ما لا يحل للمسلمين أن يبنوا عليه دينهم، وأمثل من ينقل عنه تلك الإسرائيليات كعب الأحبار. وكان الشاميون قد أخذوا عنه كثيراً من الإسرائيليات، وقد قال معاوية رضي الله عنه:

وما رأينا في هؤلاء المحدثين عن أهل الكتاب أمثل من كعب، وإن كنا لنبلو عليه الكذب أحياناً. وقد ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال:

«إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، فإما أن يحدثوكم باطل فتصدقوه، وإما أن يحدثوكم بحق فتكذبوه».

ومن العجب أن هذه الشريعة المحفوظة مع هذه الأمة المعصومة التي لا تجتمع على ضلالة، إذا حدث بعض أعيان التابعين عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بحديث كعطاء بن أبي رباح والحسن البصري وأبي العالية ونحوهم، وهم من خيار علماء المسلمين وأكابر أئمة الدين، توقف أهل العلم في مراسيلهم وليس بين أحدهم وبين النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إلا رجل أو رجلان أو ثلاثة مثلاً، فكيف بما ينقله كعب الأحبار وأمثاله عن الأنبياء، وبين كعب وبين النبي الذي ينقل عنه ألف سنة أو أكثر أو أقل، وهو لم يسند ذلك عن ثقة بعد ثقة بل غايته أن ينقل عن بعض الكتب التي كتبها شيوخ اليهود، وقد أخبر الله عن تبديلهم وتحريفهم، فكيف يحل للمسلم أن يصدق شيئاً بمجرد هذا النقل؟ بل الواجب أن لا يصدق ذلك ولا يكذبه إلا بدليل يدل على كذبه، وهكذا أمرنا النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وفي هذه الإسرائيليات مما هو كذب على الأنبياء أو منسوخ في شريعتنا ما لا يعلمه إلا الله، ومعلوم أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من السابقين الأولين والتابعين لهم بإحسان قد فتحوا البلاد بعد موت النبي

<<  <  ج: ص:  >  >>