قلت: فعلى هذا فذهابه عليه الصلاة والسلام يوم السبت لم يكن مقصوداً بالذات، بل مراعاة لمصلحة التفقد المذكور، وعليه فالأيام كلها سواء في الفضيلة في زيارة قباء لعدم وجود قصد التخصيص، فما ذكره القاري في «المرقاة»(١/ ٤٤٨) عن الطيبي أن: «الزيارة يوم السبت سُنة»
ليس كما ينبغي (١) قط. ثم وقفت على من ذكر ذلك وهو الإمام أبو شامة الشافعي في كتابه «الباعث على إنكار البدع والحوادث» وقد ذكر فيه ما يوافق ما ذهبنا إله من عدم جواز التخصيص وإليك كلامه في ذلك كله قال رحمه الله (ص٣٤):
«ولا ينبغي تخصيص العبادات بأوقات لم يخصها بها الشرع، بل يكون جميع أنواع البر مرسلة في جميع الأزمان ليس لبعضها على بعض فضل، إلا ما فضله الشرع وخصه بنوع من العبادة، فإن كان ذلك؛ اختص بتلك الفضيلة تلك العبادة دون غيرها، كصوم يوم عرفة وعاشوراء، والصلاة في جوف الليل، والعمرة في رمضان، ومن الأزمان ما جعله الشرع مفضلاً فيه جميع أعمال البر كعشر ذي الحجة، وليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، أي العمل فيها أفضل من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، فمثل ذلك يكون أي عمل من أعمال البر حصل فيها كان له الفضل على نظيره في زمن آخر، فالحاصل أن المكلف ليس له منصب التخصيص، بل ذلك إلى الشارع، وهذه كانت صفة عبادة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -».
ثم ساق حديث «الصحيحين» عن عائشة أنها قالت: «كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، وحديث علقمة قال:
(١) وأذكر أنني قرأت عن بعض العلماء أنه ذهب إلى أن المراد من قوله في الحديث: «كل سبت» أي كل أسبوع، وأنه ليس المراد يوم السبت نفسه، وقد احتج لذلك من اللغة بما لا أستحضره، ولا أذكر الآن في أي كتاب قرأت ذلك، فمن وجده فليكتب، فإذا صح ذلك فلا دلالة حينئذ في الحديث على التخصيص. [منه].