قلت لعائشة رضي الله عنها: هل كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يخص من الأيام شيئاً؟ قالت: لا كان عمله ديمة».ثم قال:
«قال محمد بن سلمة: ولا يؤتى شيء من المساجد يعتقد فيه الفضل بعد المساجد الثلاثة إلا مسجد قباء، قال: وكره أن يعد له يوماً بعينه فيؤتى فيه خوفاً من البدعة، وأن يطول بالناس زمان فيجعل ذلك عيداً يعتمد، أو فريضة تؤخذ، ولا بأس أن يؤتى كل حين ما لم تجئ فيه بدعة.
قلت: وقد صح أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يأتي قباء كل سبت، ولكن معنى هذا أنه كان يزوره في كل أسبوع، وعبر بالسبت عن الأسبوع كما يعبر عنه بالجمعة ونظيره ما في «الصحيحين» من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في استسقاء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يوم الجمعة قال فيه: فلا والله ما رأينا الشمس سبتاً. والله أعلم.
وكذلك الاستدلال بالحديث على جواز التخصيص المذكور ليس بجيد أيضاً، إلا أن يكون المراد به التخصيص مراعاة للمصلحة لا ترجيحاً ليوم على آخر بدون نص من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، مثال ذلك تخصيص يوم للتدريس أو إلقاء محاضرة ليجتمع الناس لسماع ذلك، فهذا لا مانع منه لأن اليوم ليس مقصوداً بالذات، ولذلك ينتقل منه إلى غيره مراراً ملاحقة للمصلحة، وهذا بخلاف تخصيص بعض الأيام ببعض العبادات بزعم أنها فيها أفضل منها في غيرها، كتخصيص ليلة العيدين بالقيام والعبادة، وتخصيص يومهما بالزيارة- أعني زيارة القبور-، وتخصيص شهر ربيع الأول بقراءة قصة مولد الرسول عليه الصلاة والسلام، فكل هذا وأمثاله بدع ومنكرات يجب نبذها والنهي عنها، ولذلك لما استدل النووي في «شرح مسلم» بالحديث على جواز التخصيص قال:
«وكره ابن مسلمة المالكي ذلك، ولعله لم تبلغه هذه الأحاديث».