للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مضى عليه آلاف السنين، ولذلك صرح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره من المحققين أنه لا يعرف قبر نبي من الأنبياء على التعيين واليقين، إلا قبر نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم، هذا مع حرص أتباعهم من اليهود والنصارى على اتخاذ قبورهم مساجد كما أشارت الآية الكريمة إلى شيء من ذلك: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا}، وكما أخبرنا بذلك رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في أحاديث كثيرة متواترة وأنهم لعنوا بسبب ذلك (١)، فإذا كان الأمر كذلك في قبورهم التي كانت ظاهرة على الأرض بل مرفوعة البنيان، ومع ذلك لم يبق لها أثر تعرف به، فأولى ثم أولى أن يضيع مقام من مقاماته التي قام فيه الخضر وصلى، والذي ليس عليه دليل مادي متوارث خلفاً عن سلف مثلا, ولئن فرض أنه ظل مقامه معروفاً، فذلك مما يمكن التسليم به إلى ما قبل الإسلام وظهوره، وأما بعد ذلك، وتمكين الله تبارك وتعالى له في الأرض، وقضاؤه على كل آثار الشرك والوثنية، مما هو في قدرته، وتحت سلطانه، فلو كان مقام الخضر المزعوم في الجزيرة (فيلكا) أو غيره موجوداً أو مقصوداً للتبرك به كما هو الواقع اليوم لقضى عليه المسلمون الأولون وقطعوا دابره، منعاً لافتتان الناس به والتعبد لديه.

ألا ترى أن شجرة الرضوان التي بويع تحتها النبي عليه الصلاة والسلام، من أصحابه الكرام، قد عميت على الصحابة أنفسهم ثم على الذين جاؤوا من بعدهم، حتى صار مكانها نسيا منسياً، كما جاء في صحيح البخاري، وغيره مما هو مفصل في موضع آخر (٢)، وما ذلك إلا سداً للذريعة، وقطعاً لدابر الفتنة، ولا سيما بالنسبة للذين يأتون من بعدهم، ممن لا معرفة لديهم بالكتاب والسنة، وأصول الشريعة


(١) راجع كتابي «تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد». [منه]
(٢) انظر كتابي: «تحذير الساجد» (ص١٣٧ - ١٣٩) [منه].

<<  <  ج: ص:  >  >>