للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التي نواها فيها، لأنه مخالف للأدلة الكثيرة الموجبة للاقتداء به - صلى الله عليه وآله وسلم - (١).

فإذا كان من المعلوم مثلا أنه كان يصلي صلاة الضحى بنية التطوع، فلا يجوز لأحد أن يخالفه فيها فيصليها بنية الفرض، والعكس بالعكس تماماً، فكذلك ما نحن فيه: إذا صلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في مكانٍ ما، ولم يظهر لنا أنه كان قاصداً له متقرباً إلى الله بقصده إياه وإنما وقع له ذلك اتفاقًا، فلا شك حينئذ أن الذي يقصد ذلك المكان بالصلاة فيه متقرباً إلى الله بقصده إياه- أنه يكون مخالفاً لسنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - من جهة أنه قصد مالم يقصد، ونوى مالم ينو عليه الصلاة والسلام، ومن كان كذلك، فهو مبتدع مردودة عليه بدعته، لقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» (٢)، ولا ريب أن قصد مخالفة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سواء كانت في أفعاله أو نواياه من أعظم أسباب الفتنة والهلاك، كما هو صريح قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

فاحفظ هذا البيان لفقه عمر المذكور يساعدك في كثير من المسائل التي هي من مواطن النزاع، تكن مهتدياً بإذن الله تعالى، فإنه على ذلك جرى السلف الصالح رضي الله عنهم، ولذلك لم يكن لهذه المقامات المزورة عندهم ذكر، بل ولا كانوا يقصدون المقامات التي صلى فيها الرسول نفسه - صلى الله عليه وآله وسلم -، بله مقام غيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، على ندرة المقامات الثابتة نسبتها إليهم.

فهذا جبل الطور مثلا، وهو الجبل الذي قام عليه نبي الله موسى لمنا جاة ربه عليه [وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا] ومع ذلك فلا يجوز قصده للصلاة فيه والدعاء عنده، وغير ذلك من العبادات، ولذلك لم يكن السلف يقصدونه، وتوارث الخلف


(١) انظر مقدمة رسالتي «الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام». [منه].
(٢) أخرجه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في كتابي «تخريج الحلال والحرام» رقم ٥. [منه].

<<  <  ج: ص:  >  >>