كنت تؤذنه لرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - في السحر، ففعل فعلا سطح المسجد، فوقف موقفه الذي كان يقف فيه، فلما أن قال:«الله أكبر» عجت المدينة فلما أن قال: «أشهد أن لا إله إلا الله» زاد عجيجها، فلما أن قال:«أشهد أن محمداً رسول الله» ^ خرج العواتق من خدورهن، فقالوا:«أبعث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ فما رؤي يوم أكثر باكياً ولا باكية بعد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - من ذلك اليوم».
قلت: فهذه الرواية باطلة موضوعة، ولوائح الوضع عليها ظاهرة من وجوه عديدة أذكر أهمها:
١ - قوله:«فأتي قبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فجعل يبكي عنده» فإنه يصور لنا أن قبره - صلى الله عليه وآله وسلم - كان ظاهراً كسائر القبور التي في المقابر يمكن لكل أحد أن يأتيه! وهذا باطل بداهة عند كل من يعرف تاريخ دفن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في حجرة عائشة رضي الله عنها وبيتها الذي لا يجوز لأحد أن يدخله ألا بإذن منها، كذلك كان الأمر في عهد عمر رضي الله عنه، فقد ثبت أنه لما طُعن رضي الله عنه أمر ابنه عبد الله أن يذهب إلى عائشة ويقول لها: إن عمر يقول لك إن كان لا يضرك ولا يضيق عليك فإني أحب أن أدفن مع صاحبي فقالت: أن ذلك لا يضرني ولا يضيق علي قال: فادفنوني معهما. أخرجه الحاكم (٣/ ٩٣).
ثم أخرج (٣/ ٧) بإسناده الصحيح عنها قالت: «كنت أدخل البيت الذي
دفن معهما عمر والله ما دخلت إلا وأنا مشدود على ثيابي حياء من عمر رضي
الله عنه».
ولقد استمر القبر الشريف في بيت عائشة إلى ما بعد وفاتها بل إلى آخر قرن الصحابة رضي الله عنهم ثم أدخلوا البيت ضموه إلى المسجد لتوسعته فصار