للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرُوِيَ أَنَّ زَيْدَ بنَ أَسْلَمَ اسْتَعْمَلَ عَلَى مَعْدِنٍ مِنْ مَعَادِنِ بَنِي سَلِيمٍ كَانَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ لِمَا خُيِّلَ فِيهِ مِنَ الجِنِّ، فَأَمَرَهُمْ زَيْدٌ أَنْ يُؤَذِّنُوا فِيهِ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ، فَمَا خُيَّلَ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ جِنٌّ.

قَالَ مَالِكٌ: أَعْجَبَنِي ذَلِكَ مِنْ رَأْيِ زَيْدِ بن أَسْلَمَ (١).

فَإِنْ قِيلَ (٢): لِمَ يَهْرَبُ عِنْدَ الأَذَانِ، وَلَا يَهْرَبُ عِنْدَ الصَّلَاةِ وَفِيهَا قِرَاءَةُ القُرْآنِ؟

قِيلَ: [إِنَّمَا يَهْرَبُ وَاللهُ أَعْلَمُ مِنِ اتِّفَاقِ الكُلِّ عَلَى الإِعْلَانِ بِشَهَادَةِ التَّوْحِيدِ، وَإِقَامَةِ الشَّرِيعَةِ كَمَا يَفْعَلُ يَوْمَ عَرَفَةَ، لِمَا يَرَى مِنِ] (٣) اتِّفَاقِ الكُلِّ عَلَى الإِعْلَانِ بِشَهَادَةِ التَّوْحِيدِ اللهِ تَعَالَى، وَتَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ عَلَيْهِمْ، وَيَيْأَسُ أَنْ يَرُدَّهُمْ عَمَّا أَعْلَنُوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ، وَأَيْقَنَ [بِالخَيْبَةِ] (٤) لَمَّا تَفَضَّلَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ ثَوَابِ ذَلِكَ، وَيَذْكُرُ مَعْصِيَةَ اللهِ وَمُخَالَفَتِهِ أَمْرَهُ، فَلَمْ يَمْلِكِ الْمُقَامَ لِمَا يَسْتَوِلِي عَلَيْهِ مِنَ الخَوْفِ.

وَقِيلَ: إِنَّمَا يَنْفِرُ عِنْدَ التَّأْذِينِ لِئَلَّا يَشْهَدَ لابْنِ آدَمَ بِشَهَادَةِ التَّوْحِيدِ، لِقَوْلِهِ : (لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إِلَّا شَهِدَ لَهُ


(١) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (٣/ ١١٧)، واللَّالكَائي في كتَابِ "كراماتُ الأولياءِ" من شرحِ أُصُولِ اعْتِقَادِ أَهْلِ السُّنَّة والجَمَاعَة (١/ ١٧٣) من طُرُقٍ عنْ مالِكٍ به نحوه، ولفظه: (قال مالكٌ: أَعْجَبَني ذلك من مَشُورَة زَيْد بن أَسْلم).
(٢) من كلام المهَلَّب بن أبي صُفْرَة كما في شرح ابن بطال (٢/ ٢٣٤).
(٣) ساقطة من المخطوط، والمثبت زيادة من شرح ابن بطال (٢/ ٢٣٤).
(٤) زيادة من المصدر السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>