للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالزَّنْدَقَةِ وَالدَّهْرِيَّةِ يَحْتَجُّ بِهَذَا الحَدِيثِ، يَقُولُ: أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ: (فَإِنَّ الله هُوَ الدَّهْرُ)؟ فَقُلْتُ: وَهَلْ كَانَ أَحَدٌ يَسُبُّ الله فِي آبَادِ الدَّهْرِ؟! قَدْ قَالَ الْأَعْشَى: [مِنَ الْمُنْسَرِحِ]

اسْتَأْثَرَ اللهُ بِالْوَفَاءِ وبالْـ … ـحَمْدِ وَوَلَّى الْمَلامَةَ الرَّجُلا (١)

وَإِنَّمَا تَأْوِيلُهُ عِنْدِي - وَاللهُ أَعْلَمُ -: أَنَّ الْعَرَبَ كَانَ شَأْنُهَا أَنْ تَذُمَّ الدَّهْرَ وَتَسُبَّهُ عِنْدَ الْمَصَائِبِ الَّتِي تَنْزِلُ بِهَا؛ مِنْ مَوْتٍ، أَوْ هَرَمٍ، أَوْ تَلَفِ مَالٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَيَقُولُونَ: أَصَابَتْهُمْ فَوَارعُ الدَّهْرِ، وَأَبَادَهُمُ الدَّهْرُ، فَيَجْعَلُونَهُ الَّذِي يَفْعَلُ ذَلِكَ؛ فَيَذُمُّونَهُ عَلَيْهِ، وَقَدْ ذَكَرُوهُ فِي أَشْعَارِهِمْ …

ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ أَخْبَرَ اللهُ تَعَالَى بِذَلِكَ عَنْهُمْ فِي كِتَابِهِ، ثُمَّ كَذَّبَهُمْ بِقَوْلِهِمْ، فَقَالَ: ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ﴾ (٢)، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ﴾، فَقَالَ النَّبِيُّ : (لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ) عَلَى تَأْوِيلِ: لَا تَسُبُّوا الَّذِي يَفْعَلُ بِكُمْ هَذِهِ الأَشْيَاءَ، وَيُصِيبُكُمْ بِهَذِهِ الْمَصَائِبِ، فَإِنَّكُمْ إِذَا سَبَبْتُمْ فَاعِلَهَا فَإِنَّمَا يَقَعُ السَّبُّ عَلَى اللهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ هُوَ الفَاعِلُ لَهَا لَا الدَّهْرُ، فَهَذَا وَجْهُ الحَدِيثِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، لَا أَعْرِفُ لَهُ وَجْهًا غَيْرَهُ.

ثُمَّ قَالَ قِوَامُ السُّنَّةِ التَّيْمِيُّ : قَالَ بَعْضُ العُلَمَاءِ: الدَّهْرُ مُرُورُ الأَيَّامِ، وَلَا فِعِلَ لَهُ عَلَى الحَقِيقَةِ، إِنَّمَا الفِعْلُ للهِ الَّذِي خَلَقَ الدَّهْرَ، وَقَدْ ذَمَّ اللهُ مَنْ أَثْبَتَ للدَّهْرِ فِعلًا.

وَفِي الحَدِيثِ دَلَالَةٌ أَنَّ الَّذِي يَخْلُقُ وَيُحْيِي وَيُمِيتُ وَيُغْنِي هُوَ اللهُ ﷿" (٣).


(١) ديوان الأعشى (ص: ٢٣٣)، والرواية فيه (استأثر الله بالوفاء وبالعدل … ).
(٢) سورة الجاثية الآية (٢٤).
(٣) التحرير (ص: ٥٣٨ - ٥٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>