للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ اعْتِقَادُ السَّلَفِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ ، فَإِنَّهُمْ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ الدَّهْرِ فِي أَسْمَائِهِ الحُسْنَى سُبْحَانَهُ، خِلَافًا لِمَنْ أَجْرَى الحَدِيثَ عَلَى ظَاهِرِهِ.

وَقَدْ أَشَارَ إِلَى هَذَا الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ﴾ (١)، بِقَوْلِهِ: "قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الأَئِمَّةِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ : (لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ الله هُوَ الدَّهْرُ): كَانَتِ العَرَبُ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ إِذَا أَصَابَهُمْ شِدَّةٌ أَوْ بَلَاءٌ أَوْ نَكْبَةٌ، قَالُوا: يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ، فَيُسْنِدُونَ تِلْكَ الأَفْعَالَ إِلَى الدَّهْرِ وَيَسُبُّونَهُ، وَإِنَّمَا فَاعِلُهَا هُوَ اللهُ ﷿، فَكَأَنَّهُمْ إِنَّمَا سَبُّوا الله ﷿، لأنَّهُ فَاعِلُ ذَلِكَ فِي الحَقِيقَةِ، فَلِهَذَا نُهِيَ عَنْ سَبِّ الدَّهْرِ بِهَذَا الاعْتِبَارِ، لِأَنَّ الله هُوَ الدَّهْرُ الَّذِي يَعْنُونَهُ، وَيُسْنِدُونَ إِلَيْهِ تِلْكَ الْأَفْعَالَ.

هَذَا أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ، وَهُوَ الْمُرَادُ، وَاللهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ غَلِطَ ابْنُ حَزْمٍ وَمَنْ نَحَا نَحْوَهُ مِنَ الظَّاهِرِيَّةِ فِي عَدِّهِمُ الدَّهْرَ مِنَ الأَسْمَاءِ الحُسْنَى أَخْذًا مِنْ هَذَا الحَدِيثِ" (٢).

وَنَقَلَ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ اخْتِلَافَ النَّاسِ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الحَدِيثِ، فَذَكَرَ القَوْلَ الأَوَّلَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ كَثِيرٍ سَابِقًا، وَنَسَبَهُ إِلَى أَبِي عُبَيْدٍ وَكَثِيرٍ مِنَ العُلَمَاءِ، ثُمَّ قَالَ: "وَالقَوْلُ الثَّانِي: قَوْلُ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ، وَطَائِفَةٍ مَعَهُ: أَنَّ الدَّهْرَ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ، وَمَعْنَاهُ: القَدِيمُ الأَزَلِيُّ، ثُمَّ قَالَ:


(١) سورة الجاثية، الآية: (٢٤).
(٢) تفسير ابن كثير (٧/ ٢٦٩ - ٢٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>