للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"وَهَذَا الْمَعْنَى صَحِيحٌ، لأَنَّ الله تَعَالَى هُوَ الأَوَّلُ الَّذِي لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ، وَهُوَ الآخِرُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ، وَلَكِنْ لَا يُسَمَّى بِالدَّهْرِ الَّذِي هُوَ الزَّمَانُ، أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَى الزَّمَانِ" (١).

وَلِتِلْمِيذِهِ العَلَّامَةِ ابن قَيِّمِ الجَوْزِيَّةِ كَلامٌ نَفِيسٌ فِي بَيَانِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى تَسْمِيَةِ الله ﷿ بِالدَّهْرِ مِنَ الْمَحَاذِيرِ، وَمَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ مِنَ الْمَفَاسِد.

يَقُولُ : "فِي هَذَا ثَلَاثُ مَفَاسِدَ عَظِيمَةٌ.

* إِحْدَاهَا: سَبُّهُ مَنْ لَيْسَ بِأَهْلٍ أَنْ يُسَبَّ، فَإِنَّ الدَّهْرَ خَلْقٌ مُسَخَّرٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ، مُنْقَادٌ لأَمْرِهِ مُذَلَّلٌ لِتَسْخِيرِهِ، فَسَابُّهُ أَوْلَى بِالذَّمِّ وَالسَّبِّ مِنْهُ.

الثَّانِيَةُ: أَنَّ سَبَّهُ مُتَضَمِّنٌ لِلشَّرْكِ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا سَبَّهُ لِظَنِّهِ أَنَّهُ يَضُرُّ وَيَنْفَعُ، وَأَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ ظَالِمٌ قَدْ ضَرَّ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الضَّرَرَ، وَأَعْطَى مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْعَطَاءَ، وَرَفَعَ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الرِّفْعَةَ، وَحَرَمَ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْحِرْمَانَ، وَهُوَ عِنْدَ شَاتِمِيهِ مِنْ أَظْلَمِ الظَّلَمَةِ، وَأَشْعَارُ هَؤُلَاءِ الظَّلَمَةِ الْخَوَنَةِ فِي سَبِّهِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَكَثِيرٌ مِنَ الْجُهَّالِ يُصَرِّحُ بِلَعْنِهِ وَتَقْبِيحِهِ.

* الثَّالِثَةُ: أَنَّ السَّبَّ مِنْهُمْ إِنَّمَا يَقَعُ عَلَى مَنْ فَعَلَ هَذِهِ الْأَفْعَالَ الَّتِي لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ فِيهَا أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَإِذَا وَقَعَتْ أَهْوَاؤُهُمْ حَمِدُوا الدَّهْرَ وَأَثْنَوْا عَلَيْهِ.

وَفِي حَقِيقَةِ الْأَمْرِ، فَرَبُّ الدَّهْرِ تَعَالَى هُوَ الْمُعْطِي الْمَانِعُ، الْخَافِضُ الرَّافِعُ،


(١) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (٢/ ٤٩٣ - ٤٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>