للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* وَقَالَ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بن وَهْبٍ: (مَرَرْتُ بِالرَّبَذَةِ فَإِذَا أَنَا بِأَبِي ذَرٍّ ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَنْزَلَكَ مَنْزِلَكَ هَذَا؟ قَالَ: كُنْتُ بِالشَّامِ؛ فَاخْتَلَفْتُ أَنَا وَمُعَاوِيَةُ فِي: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ (١)، قَالَ مُعَاوِيَةُ : نَزَلَتْ فِي أَهْل الكِتَابِ، فَقُلْتُ: نَزَلَتْ فِينَا وَفِيهِمْ، فَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فِي ذَاكَ، وَكَتَبَ إِلَيَّ عُثْمَانُ أَنَّ اقْدِم الْمَدِينَةَ، فَقَدِمْتُهَا، فَكَثْرَ عَلَيَّ النَّاسُ حَتَّى كَأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْنِي قَبْلَ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُثْمَانَ ، فَقَالَ لِي: إِنْ شِئْتَ تَنَحَّيْتَ فَكُنْتَ قَرِيبًا، فَذَاكَ أَنْزَلَنِي هَذَا الْمَنْزِلَ، وَلَوْ أَمَّرُوا عَلَيَّ حَبَشِيًّا لَسَمِعْتُ وَأَطَعْتُ) (٢).

قَوْلُ مُعَاوِيَةَ (نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الكِتَابِ): نَظَرَ إِلَى سِيَاقِ الْآيَةِ، فَرَآهَا نَزَلَتْ فِي الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَلَا يَرَوْنَ وُجُوبَهَا، وَرَأَى هَذَا الوَعِيدَ الشَّدِيدَ بِهِمْ أَلْيَقَ.

وَنَظَرَ أَبُو ذَرٍّ إِلَى عُمُومِ الآيَةِ، وَأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ نَزَلَتْ فِيهِمْ [فَكَذَلِكَ] (٣) مَنْ لَا يَرَى وُجُوبَ الزَّكَاةِ وَلَا يَرَى أَدَاءَهَا يَلْحَقُهُ هَذَا الوَعِيدُ الشَّدِيدُ أَيْضًا، فَخَافَ مُعَاوِيَةُ أَنْ يَقَعَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ خِلَافٌ، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى عُثْمَانَ ، وَكَانَ مُوَلًى بِالشَّامِ مِنْ قِبْلِهِ، فَكَتَبَ عُثْمَانُ إِلَى أَبِي ذَرٍّ أَنِ اقْدِمِ الْمَدِينَةَ، فَلَمَّا قَدِمَهَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ عَنِ القِصَّةِ، وَمَا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُعَاوِيَةَ مِنَ الكَلَامِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَبُو ذَرٍّ خَافَ أَنْ يُعَاتِبَهُ فِي ذَلِكَ، فَذَكَرَ لَهُ كَثْرَةَ النَّاسِ عَلَيْهِ،


(١) سورة التوبة، الآية (٣٤).
(٢) حديث (رقم: ١٤٠٦).
(٣) زيادة يَقْتَضِيها سِيَاقُ الكَلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>