للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّدَقَةِ، وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ)، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الاجْتِمَاعَ وَالتَّفَرُّقَ فِي الْمَكَانِ حَقِيقَةٌ، وَهُوَ مَجَازٌ فِي غَيْرِهِ. يُقَالُ: جَمَعَ بَيْنَ كَذَا وَكَذَا إِذَا قَارَبَ بَيْنَهُمَا مَكَانًا، وَفَرَّقَ بَيْنَ كَذَا وَكَذَا إِذَا بَاعَدَ بَيْنَهُمَا مَكَانًا.

قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ (١): فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْمَكَانِ فَقَدْ نَهَى عَنِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُجَتَمَعِ فِي الْمَكَانِ مَخَافَةَ الصَّدَقَةِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى أَصْلِنَا حَيْثُ نَقُولُ: إِنَّ المُجْتَمِعَ فِي الْمَكَانِ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِذَا تَفَرَّقَ سَقَطَتْ، فَيَكُونُ النَّهْيُ مُنْصَرِفًا إِلَى الْمَالِكِينَ مَخَافَةَ أَخْذِ الصَّدَقَةِ.

وَفِي قَوْلِهِ: (لَا يُجْمَعُ بَينَ مُتَفَرِّقٍ) يَكُونُ النَّهْيُّ عَنْ جَمْعِهِ مُنْصَرِفًا إِلَى السَّاعِي، لَا يُجْمَعُ إِذَا كَانَ مُتَفَرِّقًا لِيَأْخُذَ مِنْهُ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ (لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ) مُنْصَرِفًا إِلَى السَّاعِي أَيْضًا، وَذَلِكَ فِي ثَمَانِينَ مِنَ الغَنَمِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا لِيَأْخُذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاةً.

وَقَوْلُهُ: (وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ) ذَكَرَهُ البُخَارِيُّ فِي البَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا.

قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ (٢): فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى تَأْثِيرِ الخُلْطَةِ [أَخْذًا] (٣)، عَلَى


(١) ينظر: الأم للشافعي (٢/ ١٣)، مغني المحتاج للشربيني (١/ ٣٧٨).
(٢) ينظر: الأم للشافعي (٢/ ١٤)، روضة الطالبين للنووي (٢/ ١٧٠).
(٣) تحرَّفَ في المخْطُوطِ إلى: (أحرك)، وهو خطأ، والمُثْبَتُ من الاصطلام للسمعاني (٢/ ٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>