للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِهَا، وَتَرْكُ الخَوْضِ فِي البَحْثِ عَنْ كَيْفِيَّتِهَا، لِعَجْزِ العَقْلِ البَشَرِيِّ عَنْ ذَلِكَ، وَصِيَانَةً لَهُ مِنْ تَكْذِيبِ الأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي أَثْبَتَتْهَا.

يَقُولُ الإِمَامُ أَبُو الحَسَنِ الأَشْعَرِيُّ : "وَاخْتَلَفُوا فِي عَذَابِ القَبْرِ:

فَمِنْهُمْ مَنْ نَفَاهُ، وَهُمُ الْمُعْتَزِلَةُ وَالخَوَارِجُ.

وَمِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَهُ، وَهُمْ أَكْثَرُ أَهْلِ الإِسْلَامِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الله يُنَعِّمُ الأَرْوَاحَ وَيُؤَلِّمُهَا، فَأَمَّا الأَجْسَادُ الَّتِي فِي قُبُورِهِمْ، فَلَا يَصِلُ ذَلِكَ إِلَيْهَا وَهِيَ فِي القُبُورِ" (١).

وَقَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ : "اعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ إِثْبَاتُ عَذَابِ القَبْرِ، وَقَدْ تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ دَلَائِلُ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، قَالَ الله تَعَالَى: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا﴾ الآيَةَ (٢)، وَتَظَاهَرَتْ بِهِ الأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَنِ النَّبِيِّ مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ، وَلَا يَمْتَنعُ فِي العَقْلِ أَنْ يُعِيدَ اللهُ تَعَالَى الحَيَاةَ فِي جُزْءٍ مِنَ الجَسَدِ وَيُعَذِّبَهُ، وَإِذَا لَمْ يَمْنَعُهُ العَقْلُ وَوَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ وَجَبَ قَبُولُهُ وَاعْتِقَادُهُ، وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ هُنَا أَحَادِيثَ كَثِيرَةً فِي إِثْبَاتِ عَذَابِ القَبْرِ، وَسَمَاعِ النَّبِيِّ صَوْتَ مَنْ يُعَذَّبُ فِيهِ، وَسَمَاعِ الْمَوْتَى قَرْعَ نِعَالِ دَافِنِيهِمْ، وَكَلَامِهِ لِأَهْلِ القَلِيبِ، وَقَوْلِهِ: (مَا أَنتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ) (٣) (٤).


(١) مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين لأبي الحسن الأشعري (ص: ٤٣٠).
(٢) سورة غافر، الآية: (٤٦).
(٣) أخرجه البخاري (رقم: ١٣٧٠)، ومسلم (رقم: ٢٨٧٣)، عن أنس بن مالك .
(٤) شرح صحيح مسلم للنووي (١٧/ ٢٠٠ - ٢٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>