للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لأَنَّ مُعْظَمَ إِتْلَافِ الأَمْوَالِ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِالْأَكْلِ، فَنَصَّ عَلَى الْأَكْلِ، وَنَبَّهَ عَلَى مَا عَدَاهُ مِنْ تَحْرِيم اللبْسِ بِالبَاطِلِ، والشُّرْبِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً﴾ (١)، قَالَ بَعْضُ العُلَمَاءِ (٢): هَذَا لَيْسَ باسْتثنَاءٍ، لأَنَّ الاِسْتَثنَاءَ هُوَ مَا لَوْ لَمْ يُذْكَر كَانَ الْمُسْتَثْنَى دَاخِلًا فِي جُمْلَةَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، مِثْلَ قَوْلِهِ: ﴿اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾ (٣).

وفي هَذِهِ الآية لَم يَسْتَثْنِ التِّجَارَةَ فَلَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ اللَّفْظِ الأَوَّلِ، لأَنَّ أَكْلَ الْمَالِ بِالبَاطِلِ لَا تَدْخُلُ [تَحْتَهُ] (٤) التِّجَارَة، وَإِنَّمَا هَذَا ابْتِدَاءُ كَلامٍ، فَتَقدِيرهُ: لَا تأكُلُوا أموَالَكَمْ بَيْنَكُمْ بِالبَاطِلِ، لَكِنْ كُلُوهُ بِتِجارةٍ.

قالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ (٥): هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ؛ لأنَّ التِّجَارَةَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ، والاسْتِثْنَاءُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: استثنَاءٌ مِنَ الْجِنْسِ، وَاسْتِثْنَاءٌ مِنْ غَيْرِ الجنس.

فأَمَّا الاسْتِثْنَاءُ مِنْ الجِنْسِ، نَحْو قَوْلِهِ: (مَا جَاءَنِي أَحَدٌ إِلَّا زَيدٌ).

وأَمَّا (٦) الاسْتِثْنَاءُ مِنْ غَيْرِ الجنْسِ نَحو قولهِ: (مَا جَاءَنِي أَحَدٌ إِلَّا حِمَارا)،


(١) سورة النساء، الآية: (٢٩).
(٢) ينظر بمعناه: بحر المذهب للروياني (٤/ ٣٤١ - ٣٤٢).
(٣) سورة التوبة، الآية: (٥).
(٤) في المخطوط: (تحت)، والمثبت يقتضيه سياق الكلام.
(٥) ينظر في إعراب هذه الآية: مُشكل إعراب القرآن لمكِي بن أبي طالب (١/ ١٩٦)، والبحر المحيط لأبي حيان (٣/ ٢٤١)، والمحرر الوجيز لابن عطِيَّة الأندلسي (٢/ ٤٩)، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (٥/ ٥١).
(٦) في المخطوط (وَعن)، وهُو خَطأ، والصَّوابُ مَا أَثْبَتّه.

<<  <  ج: ص:  >  >>