للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ كَانَ لِهَذَا الحَدِيثِ أَصْلٌ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: الْمَاءُ وَالكَلأُ الَّذِي يَكُونُ فِي الْمَفَاوِزِ وَالبَوَادِي وَالجِبَالِ فِي غَيْرِ مِلْكٍ؛ حَيْثُ يَنْتَهِجُهُ أَهْلُ الْمَوَاشِي، وَيَمُرُّ بِهِ أَبْنَاءُ السَّبِيلِ، فَالنَّاسُ جَمِيعًا فِي ذَلِكَ شرع سَوَاءٌ، لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْتَظِرَ لِنَفْسِهِ وَمَاشِيَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ شَئْيًا، وَلَا مِنْ ذَلِكَ الكَلأِ، وَلَا لَهُ أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَحَدًا شَيْئًا، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ أَوِ مِنْ ذَلِكَ الكَلأِ، إِلَّا أَنْ يَحُشَّ مِنْ ذَلِكَ الكَلأِ أَوْ يَسْقِيَ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ، فَيَصِيرُ ذَلِكَ مُلْكًا لَهُ، كَالصَّيْدِ الَّذِي فِي البَرَارِي، وَالطَّيْرِ الَّذِي يَطِيرُ فِي الجَوِّ، لَا يَمْلِكُهُ أَحَدٌ مَا لَمْ يُصَدْ، فَإِذَا صَادَهُ صَائِدٌ كَانَ مِلْكًا لَهُ، وَكَذَلِكَ صَيْدُ البِحَارِ وَالْمِيَاهِ.

وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي خِدَاشٍ: (غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ غَزَوَاتٍ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ - فِي الأَسْفَارِ -: فِي المَاءِ وَالْكَلأِ وَالنَّارِ) (١).

قَالَ: إِنَّمَا خَرَّجْتُ حَدِيثَ حَرِيزِ بْنِ عُثْمَانَ لِأَنَّهُ مَعَ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ فِي الإِسْنَادِ، وَلَسْتُ أَرَى الرِّوَايَةَ عَنْ حَرِيزِ بن عُثْمَانَ (٢).


= (٥/ ٣٤٧)، تهذيب الكَمَال للمزي (١٤/ ٤٥٣).
(١) تقدَّمَ تَخْرِيجُه قريبا.
(٢) لعلَّ كلامَ ابن خُزيمَة فِي حَرِيزٍ هُنَا لِرَأْيِهِ وَمَذْهَبِه العَقَدِي، فقد حُكِيَ أنه كان ناصِبيًّا، وإلَّا فقد وثَّقه الأئمَّةُ الأَعْلام كأحْمَد، وابنِ المديني، وابن مَعِينٍ، وأبو داوود وغيرهم.
قال الحَافِظ الذَّهبي في كتابه: "الرواة المتكلَّم فيهم بما لا يُوجِب الرَّدَّ" (ص: ٨٢): "قَلَّ مَن يُوجَدُ فِي الشَّاميين في إِتْقَانِهِ، وثَّقَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، لكنَّه ناصبِيٌّ نسأَل الله السَّلامة، إِلا أَنَّه لا يَسُبُّ".
قلت: وما ذُكِر مِنْ بِدْعته مُخْتَلَفٌ فِيه، بَل قَال أَبُو حَاتمٍ: "حَسَنُ الحَديثِ، وَلَمْ يَصِحَّ عِنْدِي مَا يُقَال في رَأْيِهِ، وَلَا أَعْلَمُ بالشَّام أثْبتَ منهُ" كما في الجرح والتعديل (٣/ ٢٨٩).
وثَبَتَ عنْهُ رُجُوعُه عَنْهَا كَمَا قَالَ أَبُو اليَمَان: "كَان حَرِيزٌ يَتَنَاوَلُ رَجُلًا - يَعْنِي عَلِيًّا ثُمَّ تَرَكَ"، =

<<  <  ج: ص:  >  >>