للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاللَّام لأَجْلِهِ، فَثَبَتَ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهَا جِنْسُ الْبَيْعِ، وَلِأَنَّ الجِنْسَ يَدْخُلُ تَحْتَهُ العَهْدُ، وَالعَهْدُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ الجِنْسُ.

أَرَادَ الشَّافِعِيُّ بِهَذَا أَنَّ هَذَا أَظْهَرُ الْمَعَانِي مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ وَالصِّيغَةُ، لِأَنَّ صِيغَةَ اللَّفْظِ صِيغَةُ الْعُمُومِ وَاسْتِغْرَاقُ الْجِنْسِ، وَلَمْ يُرِدْ بِهَذَا اخْتِيَارًا لِهَذَا القِسْمِ.

وَأَمَّا القِسْمُ الثَّانِي: فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الآيَةَ مُجْمَلَةٌ، وَيَكُونُ هَذَا مِنَ الْمُجْمَلِ الَّذِي أَكَّدَ اللهُ فَرْضَهَا فِي كِتَابِهِ، وَبَيَّنَ كَيْفِيَتَهَا عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ .

وَالدَّلِيلُ عَلَى إِجْمَالِهَا: تَعَارُضُ اللَّفْظِ فِي الآيَةِ، وَتَعَارُضُ الآيَةِ لِلسُّنَّةِ؛ فَأَمَّا التَّعَارُضُ فِي الآيَةِ، فَهُوَ أَنَّهُ قَالَ: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ﴾ (١)، وَهَذَا يَقْتَضِي إِبَاحَةَ كُلِّ بَيْعٍ سَوَاءً كَانَ البَدَلَانِ مُتَمَاثِلَيْنِ أَوْ مُتَفَاضِلَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: ﴿وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ (٢)، وَهَذَا يَقْتَضِي تَحْرِيمَ الْبَيْعِ عِنْدَ تَفَاضُلِ الْعِوَضَيْنِ، فَتَعَارَضَ اللَّفْظَانِ، وَاحْتَاجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى بَيَانٍ، وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى العُمُومِ، لأَنَّا نُحِلُّ بُيُوعًا يَتَفَاضَلُ فِيهَا الْبَدَلَانِ، وَنُحَرِّمُ بُيُوعًا يَتَسَاوَى فِيهَا الْبَدَلَانِ.

وَأَمَّا مُعَارَضَةُ الآيَةِ لِلسُّنَّةِ، فَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ حَرَّمَ بُيُوعًا مِثْلَ بُيُوعِ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ وَرَدَتِ الآيَةُ بِإِبَاحَةِ كُلِّ بَيْعٍ؛ فَحَصَلَتْ مُعَارَضَةُ الْآيَةِ لِلسُّنَّةِ، فَاحْتَاجَ أَنْ تُبَيَّنَ البُيُوعُ الَّتِي اقْتَضَتِ الآيَةُ إِبَاحَتَهَا مِنَ الْبُيُوعِ الَّتِي حَرَّمَهَا النَّبِيُّ ، فَتُخَصَّ مِنْهَا.


(١) سورة البقرة، الآية: (٢٧٥).
(٢) سورة البقرة، الآية: (٢٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>