للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ إِنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ، فَلَا يَبْزُقَنَّ أَحَدُكُمْ قِبَلَ قِبْلَتِهِ، وَلَكَنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ): "وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى إِكْرَامِ القِبْلَةِ وَتَنْزِيهِهَا؛ لِأَنَّ المُصَلِّيَ يُنَاجِي رَبَّهُ، فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يُكْرِمَ القِبْلَةَ بِمَا يُكْرِمُ بِهِ الْمَخْلُوقِينَ إِذَا اسْتَقْبَلَهُمْ بِوَجْهِهِ، بَلْ قِبْلَةُ اللهِ ﷿ أَوْلَى بِالإِكْرَامِ.

وَمِنْ أَعْظَمِ الجَفَاءِ، وَسُوءِ الأَدَبِ أَنْ يَتَوَجَّهَ إِلَى رَبِّ الْأَرْبَابِ، ثُمَّ يَتَنَخَّمَ وَهُوَ يُنَاجِيهِ!! وَقَدْ أَعْلَمَ اللهُ ﷿ بِإِقْبَالِهِ عَلَى مَنْ تَوَجَّهَ إِلَيْهِ" (١).

وَإِلَى جَانِبِ العِبَادَةِ وَالصَّلَاحِ، كَانَ الْمُصَنِّفُ أَبُو القَاسِمِ التَّيْمِيُّ مَوْصُوفًا بِنَزَاهَةِ النَّفْسِ، وَالعِفَّةِ عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا، وَكَانَ مِنْ وَرَعِهِ يَرَى تَرْكَ الدُّخُولِ عَلَى السَّلَاطِينِ، وَمُجَانَبَةَ مُخَالَطَتِهِمْ وَمُقَارَبَتِهِمْ مَخَافَةَ الفِتْنَةِ، وَالجُبْنِ عَنِ الصَّدْعِ بِالحَقِّ، وَفِي هَذَا النَّقْلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الإِمَامُ الذَّهَبِيُّ جَلَاءٌ لِمَا جُبِلَ عَلَيْهِ التَّيْمِيُّ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ : "وَكَانَ نَزِهَ النَّفْسِ عَنِ المَطَامِع، لَا يَدْخُلُ عَلَى السَّلَاطِينِ، وَلَا عَلَى المُتَّصِلِينَ بِهِمْ، قَدْ خَلَّى دَارًا مِنْ مُلْكِهِ لِأَهْلِ العِلْمِ، مَعَ خِفَّةِ ذَاتِ يَدِهِ، وَلَوْ أَعْطَاهُ الرَّجُلُ الدُّنْيَا بِأَسْرِهَا لَمْ يَرْتَفِعْ عِنْدَهُ، وَيَكُونُ هُوَ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ لَمْ يُعْطِهِ شيْئًا سَوَاءً" (٢).

وَقَدْ ذَكَرَ مُتَرْجِمُوهُ فِي قِصَّةِ تَغْسِيلِهِ كَرَامَةً مِنْ كَرَامَاتِهِ!! وَذَلِكَ أَنَّهُ جَذَبَ الخِرْقَةَ مِنْ مُغَسِّلِهِ لِيُغَطِّيَ بِهَا سَوْأَتَهُ.

قَالَ الذَّهَبِيُّ : "قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ الحَافِظُ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ


(١) (٢/ ٣٨٤ - ٣٨٥) من قسم التحقيق.
(٢) تاريخ الإسلام للذهبي (١١/ ٦٢٥)، وطبقات الشافعية للإسنوي (١/ ٣٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>