للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بُيُوتُ مَكَّةَ، وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ إِرْهَابًا لَهُمْ وَإِيثَارًا لِلْبُقْيَا عَلَيْهِمْ لِيَنْقَادُوا لِلصُّلْحِ وَالطَّاعَةِ، وَلَوْ أَرَادَ اصْطِلَامَهُمْ لَفَاجَأَهُمْ بِالدُّخُولِ، فَلَمَّا خَفِيَ عَلَيْهِمْ مَنْ نَزَلَ بِهِمْ، خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ، وَحَكِيمُ بنُ حِزَامٍ، وَبَدِيلُ بْنُ وَرْقَاءَ يَتَحَسَّسُونَ الأَخْبَارَ.

وَقَالَ العَبَّاسُ: وَاصَبَاحَ قُرَيْشٍ، وَاللهِ لَئِنْ دَخَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ عَنْوَةً إِنَّهُ لَهَلَاكُ قُرَيْشٍ آخرَ الدَّهْرِ، فَرَكِبَ بَغْلَةَ رَسُولِ اللهِ الشَّهْبَاءَ، وَتَوَجَّهَ إِلَى مَكَّةَ لِيُعْلِمَ قُرَيْشًا حَتَّى يَسْتَأْمِنُوهُ: فَبَيْنَا هُوَ بَيْنَ الْأَرَاكِ لَيْلًا إِذْ سَمِعَ كَلَامَ أَبِي سُفْيَانَ، فَعَرَفَ صَوْتَهُ، فَتَعَارَفَا، وَاسْتَخْبَرَهُ عَنِ الحَالِ، فَأَخْبَرَهُ بِنُزُولِ رَسُولِ اللهِ فِي عَشَرَةِ آلافٍ، لا طَاقَةَ لَهُمْ بِهَا، فَاسْتَشَارَهُ فَقَالَ: تَأْتِيهِ فِي جَوَارِي فَتُسْلِمُ، فَتَسْتَأْمِنْهُ لِنَفْسِكَ وَلِقَوْمِكَ، وَأَرْدَفَهُ عَلَى البَغْلَةِ، وَعَادَ مُسْرِعًا بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ ، وَأَخْبَرَهُ بِحَالِهِ، فَقَالَ: اذْهَبْ بِهِ فَقَدْ أَمَّنَّاهُ حَتَّى تَأْتِيَنِي بِهِ مِنَ الغَدِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَاهُ بِهِ، فَأَسْلَمَ، وَعَقَدَ مَعَهُ الأَمَانَ لِأَهْلِ مَكَّةَ عَلَى أَنْ لَا يُقَاتِلُوهُ، فَقَالَ العَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ يُحِبُّ الفَخْرَ، فَقَالَ : (مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، مَنْ دَخَلَ دَارَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ فَهُوَ آمِنٌ، مَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ، مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ) (١).

عَقَدَ الأَمَانَ بِهَذَا الشَّرْطِ، فَدَلَّ عَلَى انْعِقَادِ الصُّلْحِ مَعَ وُجُودِ هَذَا الشَّرْطِ، وَلِأَنَّ رَسُولَ اللهِ لَمَّا عَقَدَ الأَمَانَ لِأَهْلِ مَكَّةَ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى الشُّرُوطِ المَذْكُورَةِ، أَنْفَذَهُ إِلَى مَكَّةَ مَعَ العَبَّاسِ، ثُمَّ اسْتَدْرَكَ مَكْرَ أَبِي سُفْيَانَ فَأَنْفَذَ إِلَى


(١) أصله في صحيح مسلم: (رقم (١٧٨٠) من حديث أبي هريرة بلفظ: (من دَخَلَ دَارٍ أَبي سُفْيان فهو آمِنٌ، ومَن ألْقَى سلاحه فهو آمِنٌ، ومَنْ أَغْلَقَ بابَه فَهو آمِنٌ).

<<  <  ج: ص:  >  >>