للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العَبَّاسِ أَنْ يَسْتَوْقِفَ أَبَا سُفْيَانَ بِمَضْيَقِ الوَادِي لِيَرَى جُنُودَ اللَّهِ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ لِلْعَبَّاسِ: (أَغَدْرًا يَا بَنِي هَاشِمٍ؟)، فَقَالَ لَهُ العَبَّاسُ: بَلْ أَنْتَ أَغْدَرُ، لَكِنْ لِتَرَى جُنُودَ اللهِ.

فَلَوْ كَانَ دُخُولُهُ عَنْوَةً لَمْ يَقُلْ أَبُو سُفْيَانَ: (أَغَدْرًا) فَلَمَّا أَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ بَعْدَ كَتَائِبِهِ المُتَقَدِّمَةِ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ لِلْعَبَّاسِ: (لَقَدْ أُوتِيَ ابْنُ أَخِيكَ مُلْكًا عَظِيمًا)، فَقَالَ لَهُ العَبَّاسُ: وَيْحَكَ، إِنَّهَا النُّبُوَّةُ، فَقَالَ: نَعَمْ إذًا.

ثُمَّ أَرْسَلَهُ العَبَّاسُ إِلَى مَكَّةَ مُنْذِرًا لِقَوْمِهِ بِالأَمَانِ، فَأَسْرَعَ حَتَّى دَخَلَ مَكَّةَ، فَصَرَخَ فِي المَسْجِدِ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، هَذَا مُحَمَّدٌ قَدْ جَاءَ بِمَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ، قَالُوا: فمه؟ قَالَ: مَنْ دَخَلَ دَارِي فَهُوَ آمِنٌ، قَالُوا: وَمَا تُغْنِي عَنَّا دَارُكَ؟ قَالَ: مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ، مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، مَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ فَهُو آمِنٌ).

فَحِينَئِذٍ كَفُّوا وَاسْتَسْلَمُوا، وَهَذَا مِنْ شَوَاهِدِ الصُّلْحِ.

وَلِأَنَّ سَعْدَ بنَ عُبَادَةَ لَمَّا أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ، وَكَانَتْ مَعَهُ رَايَةُ الأَنْصَارِ قَالَ: اليَوْمَ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ، اليَوْمَ تُسْبَى الحُرْمَةُ (١)، اليَوْمَ يَوْمُ يُذِلُّ اللَّهُ قُرَيْشًا، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ فَعَزَلَهُ عَن الرَّايَةِ، وَسَلَّمَهَا إِلَى ابْنِهِ قَيْسِ بْن سَعْدٍ، وَقَالَ: (اليَوْمَ يَوْمُ الْمَرْحَمَةِ، اليَوْمَ تُسْتَرُ فِيهِ الحُرْمَةُ، اليَوْمَ يَوْمُ يُعِزُّ اللَّهُ فِيهِ قُرَيْشًا)، فَجَعَلَهُ يَوْمَ مَرْحَمَةٍ، فَدَلَّ عَلَى الصُّلْح دُونَ العَنْوَةِ.

وَلِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَدَّمَ أَمَامَهُ الزُّبَيْرَ بنَ العَوَّامِ، وَمَعَهُ رَايَتُهُ، وَأَمَرَهُ


(١) المقصود بها الكعبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>