للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَصَرَخَ بِبَطْنِ الوَادِي، وَاقِفًا عَلَى بَعِيرِهِ، قَدْ جَدَعَ بَعِيرَهُ، وَحَوَّلَ رَحْلَهُ، وَشَقَّ قَمِيصَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اللَّطِيمَةَ اللَّطِيمَةَ، قَدْ عَرَضَ لَهَا مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ، مَا أَرَى أَنْ تُدْرِكُوهَا، الغَوْثَ [الغَوْثَ] (١)، فَتَجَهَّزَ النَّاسُ سِرَاعًا، وَقَالُوا: أَيَظُنُّ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ أَنْ تَكُونَ كَعِيرِ ابن الحَضْرَمِيِّ، كَلَّا وَاللهِ، لَيَعْلَمَنَّ غَيْرَ ذَلِكَ.

قَالَ عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ (٢): فَبَدَا لَهُمْ إِبْلِيسُ فِي صُورَةٍ سُرَاقَةَ بن مَالِكٍ، فَقَالَ: أَنَا جَارٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَأْتِيَكُمْ كِنَانَةُ مِنْ خَلْفِكُمْ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ، فَخَرَجُوا سِرَاعًا.

وَسَارَ رَسُولُ اللهِ فِي أَصْحَابِهِ، وَجَعَلَ [عَلَى] (٣) السَّاقَةِ قَيْسَ بنَ أَبِي صَعْصَعَةَ، أَخَا بَنِي مَازِنِ ابن النَّجَّارِ فِي لَيَالٍ مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَسَلَكَ عَلَى نَقْبِ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ عَلَى العَقِيقِ، ثُمَّ عَلَى ذِي الحُلَيْفَةِ (٤)، ثُمَّ عَلَى أَوْلَاتِ الجَيْشِ،


(١) زيادة من سيرة ابن هشام (٣/ ١٥٥).
(٢) ينظر سيرة ابن هشام (٣/ ١٥٨) من طريق محمد بن إسحاق قال: حدثني يزيد بن رومان عن عروة به.
وقد تَعْرِض للبَعْضِ شُبْهَة، فَيَسْتَغِلُّ مثلَ هَذِهِ الأَحْدَاث والرِّوَايَاتِ فِي اعْتِرَاضِ الْمُسْلِمِينَ لِقَوَافِل الْمُشْرِكِينَ، فَيَتَوَهَّم أَنَّهَا مِنْ جِنْسِ أَعْمَالِ اللُّصُوصِ، وَقُطَّاع الطُّرُق.
والجوابُ عَنْهَا: أَنَّ الْمُسْلِمِين كَانُوا فِي حَالَةِ حَرْبٍ مَعَ قُرَيشٍ، فَإِضْعَافُهَا اقْتِصَادِيًّا وَبَشَرِيًّا مِنْ مُقْتَضَيَاتِ حَالَةِ الحَرْب، هَذَا فَضْلًا عَمَّا قَامَتْ بِهِ قُرَيْشٌ مِن مُصَادَرَة أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ هِجْرَتِهِم مِنْ مَكَّة، وتنظر: السيرة النبوية الصحيحة للدكتور أكرم ضياء العمري (٢/ ٣٤٧ - ٣٤٨).
(٣) ساقطة من المخطوط، والاستدراك من سيرة ابن هشام (٣/ ١٥٩).
(٤) ذُو الحُلَيْفَةِ: بالتصغير على وزن جُهَيْنة، وهي قريةٌ بظاهر المدينة النبوية على طريق مكة، بينها وبين المدينة تِسْعَة أَكيال، تَقَعُ بوادي العقيق عند سَفْحِ جَبل عير الغربي، وتُعرف اليوم بآبار عليّ، ينظر: المعالم الأثيرة: (ص: ١٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>