للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكُلُّهُمْ يَقُولُونَ: قَرَأْنَا عَلَى النَّبِيِّ ، وَإِنَّمَا جَمَعَ القُرْآنَ فِي الصُّحُفِ وَالقَرَاطِيسِ أَبُو بَكْرٍ ، وَحَوَّلَهُ إِلَى مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ.

وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي الأَكْتَافِ، وَرِقَاعِ الأُدُمِ وَالعُسُبِ، وَصَفَائِحِ الحِجَارَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا كَانَتِ العَرَبُ تَكْتُبُ فِيهِ.

وَالعِلَّةُ فِي تَرْكِ النَّبِيِّ جَمْعَ القُرْآنِ فِي مُصْحَفٍ وَاحِدٍ كَمَا فَعَلَهُ مِنْ بَعْدِهِ الصَّحَابَةُ، أَنَّ النَّسْخَ قَدْ كَانَ يَرِدُ عَلَى الْمُنْزَلِ مِنْهُ، فَيُرْفَعُ الشَّيْءُ بَعْدَ الشَّيْءِ مِنْ تِلَاوَتِهِ، كَمَا يُرْفَعُ مِنْ بَعْضِ أَحْكَامِهِ، فَنُسِخَ مُعْظَمُ سُورَةِ الأَحْزَابِ وَرُفِعَ، فَلَوْ كَانَ قَدْ جُمِعَ كُلُّه بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ، وَتَنَاقَلَتَهُ الأَيْدِي فِي البِقَاعِ وَالبُلْدَانِ، ثُمَّ نُسِخَ بَعْضُهُ، وَرُفِعَ لأَدَّى ذَلِكَ إِلَى اخْتِلَافِ أَمْرِ الدِّينِ، فَحَفِظَهُ اللَّهُ مِنَ التَّبْدِيلِ وَالتَّغْيِيرِ، إلَى أَنْ خَتَمَ الدِّينَ بِوَفَاةِ رَسُولِهِ ، ثُمَّ قَيَّضَ لِخُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ عِنْدَ الحَاجَةِ إِلَيْهِ جَمْعَهُ بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ بِاتِّفَاقِ مِنْ إِمْلَاءٍ مِنَ الصَّحَابَةِ [وَإِجْمَاعٍ مِنْ آرَائِهِمْ] (١) حِينَ لَمْ يَكُنْ بَقِيَ لِلنَّسْخِ فِيهِ مُرْتَقَبٌ.

فَإِنْ قِيلَ: إِذَا كَانَ القُرْآنُ مَحْفُوظًا فِي الصُّدُورِ كَمَا قُلْتُمُوهُ، فَمَا كَانَ حَاجَتُهُمْ إِلَى اسْتِخْرَاجِهِ مِنَ الْأَكْتَافِ وَالعُسُبِ وَاللِّخَافِ الَّتِي لَا أَمَانَ فِي وُقُوعِ الغَلَطِ فِيهَا؟

قِيلَ: إِنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ اسْتِظْهَارًا وَأَخْذًا بِالوَثِيقَةِ فِي مُعارَضَةِ الْمَكْتُوبِ مِنْهُ فِي تِلْكَ النُّسَخِ بِالْمَحْفُوظِ فِي الصُّدُورِ، وَلَمْ يَقْنَعُوا أَنْ يَقْتَصِرُوا فِي ذَلِكَ عَلَى أَحَدِ


= الكبار للذهبي (١/ ٤٥ - ١٥٥).
(١) سَاقِطَةٌ مِنَ المخطوط، والاستدْرَاكُ من المصدر السابق (٣/ ١٨٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>