للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالحِرْصُ عَلَيْهَا جَمْعًا وَقِرَاءَةً، رِوَايَةً وَدِرَايَةً.

وَفِقْهُ الحَدِيثِ النَّبَوِيِّ، وَاسْتِنْبَاطُ الْمَعَانِي الخَفِيَّةِ مِنْهُ أَهَمُّ جَوَانِبِ شِقِّ الدِّرَايَةِ، بَلْ إِنَّ مَدَارَ ثَمَرَةٍ هَذَا العِلْمِ الشَّرِيفِ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا؛ فَقَدْ عُنِيَ بِهِ المُحَدِّثُونَ ، وَرَغَّبُوا فِيهِ، وَنَهَضُوا لِلتَّأْلِيفِ فِيهِ، وَعَدُّوهُ نَوْعًا مُسْتَقِلًّا مِنْ أَنْوَاعِ عُلُومِ الحَدِيثِ كَمَا فَعَلَ الإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ النَّيْسَابُورِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ البيع (ت: ٤٠٥ هـ) فِي كِتَابِهِ: "مَعْرِفَةُ عُلُومِ الحَدِيثِ" حَيْثُ يَقُولُ: "النَّوْعُ العِشْرُونَ مِنْ هَذَا العِلْمِ - بَعْدَ مَعْرِفَةِ مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ مِنْ صِحَّةِ الحَدِيثِ إِتْقَانًا وَمَعْرِفَةً، لَا تَقْلِيدًا أَوْ ظَنًّا: مَعْرِفَةُ فِقْهِ الحَدِيثِ، إِذْ هُوَ تَمَرَةُ هَذِهِ العُلُومِ، وَبِهِ قِوَامُ الشَّرِيعَةِ" (١).

وَقَدْ أَشَارَ إِلَى هَذَا المَعْنَى الإِمَامُ النَّوَوِيُّ ، فَبَيَّنَ "أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ عِلْمِ الحَدِيثِ: تَحْقِيقُ مَعَانِي المُتُونِ، وَتَحْقِيقُ عِلْم الإِسْنَادِ .... وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا العِلْمِ مُجَرَّدَ السَّمَاعِ وَلَا الإِسْمَاعِ وَلَا الكتابَةِ، بَلِ الاعْتِنَاءُ بِتَحْقِيقِهِ، وَالبَحْثُ عَنْ خَفِيِّ مَعَانِي المُتُونِ وَالأَسَانِيدِ، وَالفِكْرُ فِي ذَلِكَ، وَدَوَامُ الاعْتِنَاءِ بِهِ" (٢).

وَهَذَا الحِرْصُ عَلَى مَعْرِفَةِ فِقْهِ الحَدِيثِ وَغَرِيبِهِ، وَالاحْتِيَاطُ فِي فَهْمِ مَعَانِيهِ مِنَ الْمُهِمَّاتِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُشْتَغِلِ بِعِلْمِ الحَدِيثِ النَّبَوِيِّ الشَّرِيفِ، حَتَّى يُحَقِّقَ الْمُتَابَعَةَ لِلرَّسُولِ ، وَالقَيَامَ بِشَرْعِ اللهِ تَعَالَى وَفْقَ مُرَادِهِ، إِذْ إِنَّ الإِخْلَالَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ يُورِثُ الاشْتِبَاهَ فِي فَهُم المُرَادِ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَالمُتَكَلِّمُ فِي


(١) معرفةُ علوم الحديث للحاكم (ص: ١١٢).
(٢) شرح النووي على صحيح مسلم (١/ ٤٧) باختصار.

<<  <  ج: ص:  >  >>