للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ز - عِنَايَتُهُ بِمُخْتَلِفِ الحَدِيثِ، وَجَمْعُهُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ظَاهِرُهَا التَّعَارُضُ:

اعْتَنَى الْمُصَنّفُ فِي شَرْحِهِ هَذَا بِبَيَانِ مُخْتَلِفِ الحَدِيثِ، وَدَفْعِ التَّعَارُضِ الظَّاهِرِ الْمُتَوَهَّمِ بَيْنَ الأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّة، مُتَأَسَّيًا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِمَنْ تَقَدَّمَهُ مِنَ العُلَمَاءِ كَالإِمَامِ الشَّافِعِيِّ (ت: ٢٠٤ هـ) ، وَالإِمَام عَبْدِ اللهِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِي (ت ٢٧٠ هـ) ، وَالإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ (ت: ٣١١ هـ) : وَغَيْرِهِمْ، وَقَدْ أَهَّلَهُ لِذَلِكَ مَكَانَتُهُ العِلْمِيَّةُ، وَنُبُوغُهُ فِي عُلُومِ الشَّرِيعَةِ، إِذْ إِنَّ المُقَرَّرَ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ أَنَّ مَسَائِلَ هَذَا العِلْمِ مِنْ أَعْوَصِ الْمَسَائِلِ وَأَصْعَبِهَا، وَإِنَّمَا يَكْمُلُ لَهُ الأَئِمَّةُ الجَامِعُونَ بَيْنَ الحَدِيثِ وَالْفِقْهِ، وَالأُصُولِيُّونَ الغَوَّاصُونَ عَنِ الْمَعَانِي (١).

ذَلِكَ أَنَّ التَّعَارُضَ وَالاخْتِلَافَ وَالاشْتِبَاهَ، إِنَّمَا يَنْشَأُ فِي الأَفهَامِ، فَهُوَ تَعَارُضٌ ظَاهِرِيٌّ فَقَطْ، أَمَّا مَا يَخْرُجُ مِنْ شَفَتَيْهِ فَكُلُّهُ صِدْقٌ وَحَقٌّ، يَشْهَدُ بَعْضُهُ لِبَعْضٍ، وَيُؤَكِّدُ بَعْضُهُ بَعْضًا.

وَقَدِ اتَّبَعَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذِهِ المَسْأَلَةِ مَسَالِكَ العُلَمَاءِ فِي الجَمْعِ وَالتَّوْفِيقِ، وَسَأُمَثِلُ لِهَذِهِ القَضِيَّةِ عِنْدَ المُصَنِّفِ بِأَرْبَعَةِ أَمْثِلَةٍ تَدُلُّ عَلَى إِمَامَتِهِ فِي هَذَا العِلْمِ طَلَبًا لِلاخْتِصَارِ، فَمِنْ ذَلِكَ:

المِثَالُ الأَوَّلُ: أَوْرَدَهُ فِي كِتَابِ الغُسْلِ، عِنْدَ شَرْحِهِ لِحَدِيثِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ : (ثُمَّ يَنَامُ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ مَاءً) (٢) قَالَ: "يَعْنِي الغُسْلَ لَا الوُضُوءَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ البُخَارِيُّ عَنْ عُمَرَ وَعَائِشَةَ ، وَعَلَى هَذَا


(١) اقتباس من كلام الإمام النووي في التقريب، وينظر: تدريب الرَّاوي للسيوطي: (٢/ ١٩٦).
(٢) ينظر تخريجه في قسم التحقيق.

<<  <  ج: ص:  >  >>