للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإِسْلَامِ وَأَئِمَّةِ الدِّينِ، وَيُجَسِّدُ الإِنْصَافَ وَالعَدْلَ، وَحُبَّ التَّعَاوُنِ وَالإِشَادَةَ بالآخرِ، فَقَدْ حَكَى الإِمَامُ الذَّهَبِيُّ في كِتَابِهِ "سِيرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ"، عَنْ: "مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الصُّورِيِّ قَالَ: قَالَ لِي الحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ الْأَزْدِيُّ: ابْتَدَأْتُ بِعَمَلِ المُؤْتَلِفِ وَالمُخْتَلِفِ، فَقَدِمَ عَلَيْنَا الدَّارَقُطْنِيُّ فَأَخَذْتُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً عَنْهُ، فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْ تَصْنِيفِهِ، سَأَلَنِي أَنْ أَقْرَأَهُ عَلَيْهِ لِيَسْمَعَهُ مِنِّي، فَقُلْتُ: عَنْكَ أَخَذْتُ أَكْثَرَهُ، فَقَالَ: لَا تَقُلْ هَكَذَا، فَإِنَّكَ أَخَذْتَهُ عَنِّي مُفَرَّقًا، وَقَدْ أَوْرَدْتَهُ فِيهِ مَجْمُوعًا، وَفِيهِ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ أَخَذْتَهَا عَنْ شُيُوخِكَ، قَالَ: فَقَرَأَتُهُ عَلَيْهِ" (١).

فَمَا أَرْوَعَ العَدْلَ! وَمَا أَجْمَلَ الإِنْصَافَ! وَرَحِمَ اللهُ الإِمَامَ الدَّارَقُطْنِيَّ.

وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ العِلْمِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا يَسِيرُونَ عَلَى هَذَا المَنْهَجِ وَيَتَّبِعُونَهُ، بَلْ إِنَّكَ تَعْجَبُ لِبَعْضِهِمْ مِنْ شِدَّةِ إِخْلَاصِهِ لَا يُحِبُّ أَنْ يُنْسَبَ إِلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَهَذَا الإِمَامُ المُطَّلِبِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: "وَدِدْتُ أَنَّ النَّاسَ يَتَعَلَّمُونَ هَذِهِ الكُتُب وَلَا يُنْسَبُ إِلَيَّ مِنْهَا شَيْءٌ": (٢).

وَالحَقُّ أَحَبُّ إِلَى قُلُوبِنَا، وَهُوَ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ، وَأَوْلَى أَنْ يُشَادَ بِهِ، فَكِتَابُ الإِمَامِ قِوَامِ السُّنَّةِ التَّيْمِيُّ طَافِحٌ بِالعَزْوِ إِلَى كُتُبِ العُلَمَاءِ، وَالتَّصْرِيحِ بِالنَّقْلِ عَنْهُمْ كَمَا سَتَرَاهُ إِنْ شَاءَ اللهُ عِنْدَ الكَلَامِ عَنْ مَوَارِدِ المُؤَلِّفِ فِي كِتَابِهِ، وَمِنْ خِلَالِ تَتَبُّعِ كَلَامِهِ فِي قِسْمِ التَّحْقِيقِ، وَقَدْ زَادَ عَلَى شَرْحِ ابْنِ بَطَّالٍ فَوَائِدَ كَثِيرَةٌ تُشَدُّ إِلَيْهَا الرِّحَالُ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ انْتَحَلَ كِتَابَهُ وَادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ.


(١) سير أعلام النبلاء للذهبي (١٧/ ٢٧٠).
(٢) مناقب الشافعي للإمام البيهقي (١/ ١٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>