للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهِ وَيُؤَخِّرُ، ذَلِكَ أَنَّ عِلْمَ العَالِمِ يَتَطَوَّرُ، وَاجْتِهَادَهُ يَتَغَيَّرُ، فَرُبَّمَا ظَهَرَ لَهُ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ غَيْرُ مَا ظَهَرَ لَهُ فِي أَوَّلِهَا.

* وَمِنْهَا: أَنَّ طَلَبَةَ الشَّيْخ الَّذِينَ يَرْوُونَ عَنْهُ كِتَابَهُ يَخْتَلِفُونَ فِي ضَبْطِهِمْ، فَيَكُونُ بَعْضُهُمْ أَثْبَتَ مِنَ الآخَرِ لِطُولِ مُلَازَمَتِهِ لِشَيْخِهِ، أَوْ لِمَزِيدِ عِنَايَتِهِ بِحَدِيثِهِ، أَوْ لِكَوْنِهِ رَاوِيَتَهُ، قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ : "كُنْتُ سَمِعْتُ المُوَطَّأَ مِنْ بِضْعَةَ عَشَرَ نَفْسًا مِنْ حُفَّاظِ أَصْحَابِ مَالِكٍ، فَأَعَدْتُهُ عَلَى الشَّافِعِيِّ، لأنِّي وَجَدْتُهُ أَقْوَمَهُمْ" (١).

* وَمِنْهَا: أَنَّ المُحَدِّثَ قَدْ يُحَدِّثُ بِحَدِيثِهِ وَكِتَابِهِ بَعِيدًا عَنْ أُصُولِهِ، فَيَقَعُ عَلَيْهِ فِيهِ الوَهَمُ وَالخَطَأُ، فَتُحْمَلُ عَنْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَلَى عُجَرِهَا وَبُجَرِهَا، وَمِنْ ذَلِكَ: مَا حَكَاهُ يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ الأَصْبَهَانِيُّ قَالَ: "قَدِمَ عَلَيْنَا أَبو دَاودَ الطَّيَالِسِيُّ، وَأَمْلَى عَلَيْنَا مِنْ حِفْظِهِ مِائَةَ أَلْفِ حَدِيثٍ، أَخْطَأَ فِي سَبْعِينَ مَوْضِعًا، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى البَصْرَةِ، كَتَبَ إِلَيْنَا بِأَنِّي أَخْطَأْتُ فِي سَبْعِينَ مَوْضِعًا، فَأَصْلِحُوهَا" (٢).

وَهَذَا كِتَابُ الْمُوَطَّأَ لِلْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ يَرْوِيهِ عَنْهُ جمٌّ غَفِيرٌ مِنْ حُفَّاظِ الحَدِيثِ وَجَهَابِذَتِهِ، وَقَدْ بَلَغَ بِرِوَايَاتِهِ الإِمَامُ ابْنُ نَاصِرِ الدِّينِ الدِّمَشْقِيُّ (ت: ٨٤٠ هـ) تِسْعًا وَسَبْعِينَ رِوَايَةً فِي كِتَابِهِ: "إِتْحَافُ السَّالِكِ بِرُوَاةِ الْمُوَطَّأ عَنِ الإِمَامِ مَالِكٍ" (٣).

وَمِنَ المَعْلُومِ عِنْدَ الْمُشْتَغِلِينَ بِالحَدِيثِ وَعُلُومِهِ أَنَّ نُسَخَ الجَامِعِ الصَّحِيحِ


(١) ينظر: الإرشاد للخليلي (١/ ٢٣١).
(٢) ينظر: المصدر السابق (١/ ٢٤٠).
(٣) إتحافُ السَّالِك لابن ناصر الدين الدمشقي (ص: ٣٩ - ٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>