للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

*وَقَالَ العَلَائِيُّ: "وَيَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ كَانَ إِمَامًا، غَزِيرَ الْعِلْمِ، عَارِفًا بِالْأَثَرِ، بَصِيرًا بِالفَتْوَى، خَبِيرًا بِأَيَّامِ النَّاسِ، أَكْثَرَ البُخَارِيُّ مِنَ الرِّوَايَةِ عَنْهُ فِي صَحِيحِهِ مُحْتَجًّا بِهِ، وَرَوَى فِيهِ عَنْ رَجُلٍ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ رَوَى مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ رَجُلٍ عَنْهُ" (١).

وَأَمَّا الجَوَابُ عَنْ تَضْعِيفَ ابْنِ مَعِينٍ لَهُ، فَقَدْ رَدَّهُ الإِمَامُ القَاضِي عِيَاضٌ بقَوْلِهِ: "وَقَدْ ضَعَّفَ أَئِمَّةُ الصَّنْعَةِ رِوَايَةَ مَنْ سَمِعَ الْمُوَطَّأَ عَلَى مَالِكٍ بِقِراءَةِ حَبِيبٍ كَاتِبِهِ، لِضَعْفِهِ عِنْدَهُمْ، وَأَنَّهُ كَانَ يُخَطْرِفُ (٢) الأَوْرَاقَ حِينَ القِرَاءَةِ لِيَتَعَجَّلَ، وَكَانَ يَقْرَأُ لِلْغُرَبَاءِ.

وَقَدْ أُنْكِرَ هَذَا الخَبَرُ عَلَى قَائِلِهِ، لِحِفْظِ مَالِكٍ لِحَدِيثِهِ، وَحِفْظِ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ الحَاضِرِينَ لَهُ، وَأَنَّ مِثْلَ هَذَا مِمَّا لَا يَجُوزُ عَلَى مَالِكٍ، وَأَنَّ العَرْضَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ مِنَ الكَثْرَةِ بِحَيْثُ تُخَطْرَفُ عَلَيْهِ الأَوْرَاقُ وَلَا يَفْطَنَ هُوَ، وَلَا مَنْ حَضَرَ.

لَكِنَّ عَدَمَ الثِّقَةِ بِقِرَاءَةِ مِثْلِهِ، مَعَ جَوَازِ الغَفْلَةِ وَالسَّهْوِ عَنِ الحَرْفِ وَشِبْهِهِ، وَمَا لَا يُخِلُّ بِالْمَعْنَى مُؤَثِّرَةٌ فِي تَصْحِيحِ السَّمَاعِ كَمَا قَالُوهُ، وَلِهَذِهِ العِلَّة لَمْ يُخَرِّجِ


(١) بغية الملتمس في سباعيات حديث الإمام مالك بن أنس للعلائي (ص: ٩١).
(٢) الخَطْرَفَة: السُّرْعَة في الْمَشْي كما في العين (٤/ ٣٣٣)، ومُرَادُه هُنَا: السُّرْعَة فِي القِرَاءَةِ عَلَى مَالِكٍ، ، والإسْرَاعُ فِيهَا غَيْرُ مَحْمُودٍ عِنْدَ المحدِّثِين، بَل يَجْعَلُونها شَرَّ القِرَاءَةِ، فَقَد أَسْنَدَ الخَطِيبُ البَغْدَادِيُّ في الجامع (١/ ٢٦٢) عَنْ عُمَرَ أَنَّه قَالَ: (شَرُّ الكِتَابَةِ الْمَشْقُ، وَشَرُّ الكِتَابَةِ الهَذْرَمَةُ، وَأَجْوَدُ الخَطَّ أَبينُهُ)، وينظر: مقدمة ابن الصلاح (ص: ١٨٥).
قال البِقَاعِيُّ في النُّكَتِ الوَفِيَّة (٢/ ١٣٨): "كأَنَّ الْمَشْقَ إنما كُرِهَ؛ لأنَّه يجرُّ غالبًا إلى التَّعْلِيقِ، وكأنَّ الهذرمةَ كُرِهَتْ خَوفًا مِمَّا تُؤَدِّي إِليه غَالِبًا من خَفَاءِ بَعْضِ الحروفِ".

<<  <  ج: ص:  >  >>