وَالطَّرِيقَةِ الغَرَّاءِ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا إِلَّا هَالِكٌ، وَقَامَ صَحَابَتُهُ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدِهِ بِتَبْلِيغِ سُنَّتِهِ وَأَحْوَالِهِ لِمَنْ بَعْدَهُمْ، رَاغِبِينَ فِي الأَجْرِ وَالثَّوَابِ، عَامِلِينَ بِمَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ تَبْلِيغِ الدِّينِ وَبَيَانِ الكِتَابِ.
ثُمَّ بَرَزَ فِي مَجَالِ حِفْظِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ عُلَمَاءُ أَجِلَّاءُ، وَأَئِمَّةٌ أَعْلَامٌ، رَحَلُوا فِي طَلَبِ الحَدِيثِ إِلَى مُخْتَلَفِ الأَمْصَارِ، وَتَحَمَّلُوا فِي سَبِيلِ ذَلِكَ كُلَّ أَصْنَافِ المَشَقَّةِ، وَصَبَرُوا عَلَى ذَلِكَ رُغْمَ بُعْدِ الشُّقَّةِ، وَسَافَرُوا لِلظَّفَرِ بِعُلُوِّهِ، وَتَحْصِيلِ مَشْهُورِهِ وَغَرِيبِهِ، وَاجْتَهَدُوا فِي تَدْوِينِ أَخْبَارِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ وَتَصْنِيفِ آثَارِهَا، وَعَايَنُوا رُوَاتَهَا وَحَمَلَتَهَا، فَتَتَبَّعُوا أَحْوَالَهُمْ وَسَأَلُوا عَنْهُمْ، فَاخْتَبَرُوا عَدَالَتَهُمْ وَامْتَحَنُوا حِفْظَهُمْ، فَلَمَّا اطْمَأَنُّوا إِلَيْهِمْ سَمِعُوا مِنْهُمْ، وَكَتَبُوا نُسَخَهُمْ بَعْدَ مُعَارَضَتِهَا بِالأُصُولِ المُتْقَنَةِ، وَمُقَابَلَتِهَا بِالنُّسَخِ العُتُقِ المُنَقَّحَةِ، وَبَالَغُوا فِي تَصْحِيحِهَا، إِيغَالًا مِنْهُمْ فِي التَّثَبُّتِ، وَإِمْعَانًا فِي التَّحَقُّقِ وَالتَّوَثُّقِ، ثُمَّ شَرَعُوا يُمَيِّزُونَ صَحِيحَهَا مِنْ سَقِيمِهَا، وَيُبْرِزُونَ غَثَّهَا مِنْ سَمِينهَا حِمَايَةً لَهَا مِنْ كُلِّ دَخِيلٍ، وَقَطْعًا لِلطَّرِيقِ عَلَى كُلِّ مُتَخَرِّصٍ قَاصِدٍ لِلطَّعْنِ فِيهَا بِالتَّحْرِيفِ وَالتَّبْدِيلِ، فَحَمَى اللهُ بِجُهُودِهِمْ حِيَاصَ الدَّينِ، وَصَانَهُ مِنْ ثَلْبِ القَادِحِينَ، وَتَحْرِيفِ الغَالِينَ، وَانْتِحَالِ المُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلِ الجَاهِلِينَ.
وَمِنْ هَؤُلَاءِ الأَئِمَّةِ الأَفْذَاذِ، وَالجَهَابِذَةِ النُّقَادِ الَّذِينَ تَجَرَّدُوا لِلْحَدِيثِ، وَنَذَرُوا أَعْمَارَهُمْ لِحِفْظِهِ وَجَمْعِهِ، وَبَذَلُوا أَوْقَاتَهُمْ فِي سَبِيلِ صِيَانَتِهِ وَنَشْرِهِ: أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ فِي الحَدِيثِ، حُجَّةُ الأُمَّةِ وَإِمَامُ الأَئِمَّةِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ المُغِيرَةِ الجُعْفِيُّ مَوْلَاهُمْ البُخَارِيُّ (ت: ٢٥٦ هـ)، فَأَلَّفَ فِي ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute