للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كِتَابَهُ العَظِيمَ الْمَشْهُورَ بِصَحِيحِ البُخَارِيِّ، أَصَحِّ كِتَابٍ بَعْدَ القُرْآنِ الكَرِيمِ، مَكَثَ فِي تَهْذِيبِهِ وَتَنْقِيحِهِ زَمَنًا طَوْيلًا، فَصَارَ كِتَابُهُ أَحْسَنَ كُتُبِ الحَدِيثِ تَصْنِيفًا "وَأَجْوَدَهَا تَأْلِيفًا، وَأَكْثَرِهَا صَوَابًا، وَأَقَلَّهَا خَطَأً، وَأَعَمَّهَا نَفْعًا، وَأَعْوَدَهَا فَائِدَةً، وَأَعْظَمَهَا بَرَكَةً، وَأَيْسَرَهَا مَؤُونَةً، وَأَحْسَنَهَا قَبُولًا عِنْدَ الْمُوَافِقِ وَالْمُخَالِفِ، وَأَجَلَّهَا مَوْقِعًا عِنْدَ الخَاصَّةِ وَالعَامَّةِ" (١).

وَقَدِ انْتَصَبَ لِتَدْرِيسِهِ وَبَثِّهِ، فَأَخَذَهُ عَنْهُ تَلَامِذَةٌ كَثِيرُونَ، ضَرَبُوا أَكْبَادَ الإِبِلِ لِسَمَاعِهِ عَنْهُ وَالاسْتِفَادَةِ مِنْهُ، فَانْتَشَرَ كِتَابُهُ فِي مُخْتَلَفِ الأَمْصَارِ، وَتَنَافَسَ النَّاسُ فِي تَسْمِيعِهِ وَنَقْلِهِ فِي سَائِرِ الأَقْطَارِ، وَعَوَّلَ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّةِ الحَدِيثِ الْمُصَنِّفِينَ فِي الجَوَامِعِ وَالسُّنَنِ وَالمَسَانِيدِ، فَرَوَوا الكَثِيرَ مِنَ المَرْوِيَّاتِ مِنْ طَرِيقِهِ، وَاسْتَفَادُوا فِي تَهْذِيبِ كُتُبِهِمْ وَانْتِقَاءِ رُوَاتِهَا مِنْ كِتَابِهِ، وَيُعَدُّ جَمْعُهُ هَذَا بِحَقٍّ أَوَّلَ خُطْوَةٍ فِي التَّأْلِيفِ فِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمُجَرَّدِ عَنْ رَسُولِ اللهِ .

وَلَمَّا وَقَعَ كِتَابُهُ عِنْدَهُمْ بِهَذِهِ المَنْزِلَةِ العَلِيَّةِ، وَالمَرْتَبَةِ السَّنِيَّةِ؛ عَكَفَ عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الهُدَى شَرْحًا لِأَحَادِيثِهِ وَتَفْسِيرًا لأَخْبَارِهِ، وَاسْتِنْبَاطًا لِفَرَائِدِهِ وَنُكَتِهِ، وَتَدْرِيسًا لِعُلُومِهِ، وَاسْتَخْرَجُوا مِنْهُ جَوَاهِرَ العِلْمِ وَدُرَرَهُ، فَصَنَّفُوا فِي ذَلِكَ مُصَنَّفَاتٍ عَدِيدَةً دَبَّجَهَا يَرَاعُ أَئِمَّةِ السَّلَفِ الْمَاضِينَ، وَاقْتَفَى أَثَرَهُمْ فِي ذَلِكَ مُتَّبِعُوهُمْ مِنَ الخَلَفِ الْمَرْضِيِّينَ، وَكَانَ لَهُمُ الشُّفُوفُ فِي مَنَاهِجِهِمْ وَأَوْضَاعِهِمْ، فَتَبَايَنَتْ فِي هَذِهِ الْمُصَنِّفَاتِ مَسَالِكُهُمْ، وَاخْتَلَفَتْ فِي بَيَانِ مَعَانِيهَا طَرَائِقُهُمْ، وَتَعَدَّدَتْ فِي ذَلِكَ مَشَارِبُهُمْ مَا بَيْنَ مُطَوِّلٍ وَمُخْتَصِرٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَصَدَ إِيضَاحَ الْأَحْكَامِ الفِقْهِيَّةِ،


(١) تهذيب الكمال في أسماء الرجال للحافظ المزي (١/ ١٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>