للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمَعْنَى: قَالَ اللهُ: لَا أَمَلُّ أَبَدًا مَلَلْتُمْ أَنْتُمْ أَوْ لَمْ تَمَلُّوا، فَجَرَى هَذَا مَجْرَى قَوْلِ العَرَبِ: لَا أُكَلِّمُكَ حَتَّى يَشِيبَ الغُرَابُ، وَلَا أَلْقَاكَ حَتَّى يَبْيَضَّ القَارُ، يُرَادُ بِهِ: لَا أُكَلِّمُكَ وَلَا أَلْقَاكَ أَبَدًا (١).

وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا القَائِلَ أَصَابَ لَعَمْرِي فِي مَعْنَى الحَدِيثِ (٢)، فَإِنَّ مَعْنَاهُ هَذَا، إِلَّا أَنَّهُ أَفْسَدَهُ بِالاسْتِشْهَادِ، فَإِنَّ العَرَبَ إِنَّمَا تَقُولُ: لَا أُكَلِّمُكَ حَتَّى يشِيبَ الغُرَابِ [وَيَبْيَضَ القَارُ] (٣)، وَابْيضَاضُ القَارِ مِمَّا لَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُهُ عُرْفًا (٤)، وَلَمْ يُرِدِ النَّبِيُّ أَنَّ الله لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا أَنَّكُمْ لَا تَمَلُّونَ أَبَدًا، بَلْ مَقْصُودُهُ: تَمَلُّونَ وَلَا يَمَلُّ الله. وَمَقْصُودُ الأَوَّلِ: كَمَا لَا يَشِيبُ الغُرَابُ أَبَدًا لَا أَلْقَاكَ أَبَدًا، مَكَانَ المَسْأَلَةِ مَعَ الاسْتِشْهَادِ ضِدَّانِ.

وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ لَا يَمَلُّ إِذَا مَلَلْتُمْ أَيْضًا، وَمِثْلُهُ قَوْلُ ابْنِ أُخْتِ تَأَبَّطَ شَرًّا، وَيُقَالُ: إِنَّهُ لِخَلَفٍ الأَحْمَرِ (٥): [مِنَ المَدِيدِ]

صَلِيَتْ مِنِّي هُذَيْلٌ بِخِرْقٍ … لَا يَمَلُّ الشَّرَّ حَتَّى يَمَلُّوا


(١) أشار الكِرْمَانِيُّ في الكَواكِب الدَّراري (١/ ١٧٢)، والعَيْنيُّ في عُمدة القاري (١/ ٢٥٧) إلى هَذا القَوْلِ مُخْتَصَرًا، ونَسَبَاه للتَّيمي .
(٢) ينظر: الفجر السَّاطع للشَّبيهي الزَّرهوني (١/ ١٦٥) فقد نقَلَ عنْ مخطوط شرح البخاري للتَّيمي هنا بمعناه.
(٣) زِيَادَةٌ يَقْتَضيها سِيَاقُ الكَلام، وَالظَّاهر أَنَّهَا سَقَطَت مِنَ النَّاسِخ.
(٤) كذا في المخطوط، ولعلَّ في الكلام سَقْطًا.
(٥) البيتُ كَمَا أَشَارَ ابن التَّيْمِي مُختلَفٌ في نِسْبَتِهِ، فَقِيل: هُو لابنِ أُخْتِ تَأَبَّطَ شَرًّا كَمَا قال ابن عَبْدُ رَبِّه في "العِقد الفريد" (٣/ ٢٩٨)، ونَسَبه أبو تَمَّام في "الحمَاسَة" لخلَفِ الأحمر كما في شَرْح ديوان الحماسة للمرزوقي (١/ ٢٦٠)، وقيل: إنَّه للشَّنْفرى كما في اللالئ في شرح أمالي القالي للبكري (٢/ ٩١٩)، وينظر: خزانة الأدب للبغدادي (٢/ ١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>