للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَسَقَطَ بِهَذَا قَوْلٌ مَنْ يَقُولُ: آيَةُ الوُضُوءِ مَدَنِيَّةٌ، وَالمَسْحُ مَنْسُوخٌ بِهَا لأَنَّهُ مُتَقَدِّمٌ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ الْمَائِدَةَ نَزَلَتْ بِالمَدِينَةِ قَبْلَ غَزْوَةِ تَبُوكٍ.

وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ جَرِيرٍ : أَنَّهُ: (رَأَى النَّبِيَّ يَمْسَحُ عَلَى الخُفَّيْنِ) (١)، وَكَانَ يُعْجِبُهُمْ حَدِيثُ جَرِيرٍ، لأَنَّهُ أَسْلَمَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ، وَرَوَى الْمَسْحَ عَنِ النَّبِيِّ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ.

وَحَدِيثُ الْمُغِيرَةِ فِي المَسْحِ كَانَ فِي السَّفَرِ، وَاسْتِعْمَالُ جَرِيرٍ لَهُ فِي الحَضَرِ، وَلَمْ يَنْسَخْهُ شَيْءٌ.

وَقِيلَ لِأَحْمَدَ بن حَنْبَلٍ: مَا تَقُولُ فِيمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي أَيُّوبَ فِي إِنْكَارِ المَسْحِ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّهُ قَالَ: (حُبِّبَ إِلَيَّ الغَسْلُ) (٢)، فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إِلَى مِثْلِ هَذَا القَوْلِ وَلَمْ يُنْكِرِ الْمَسْحَ صَلَّيْنَا خَلْفَهُ.

وَقَدْ كَانَ مَالِكٌ يَذْهَبُ إِلَى ذَلِكَ (٣)، فَإِنْ تَرَكَ رَجُلٌ الْمَسْحَ، وَلَمْ يَرَهُ كَمَا


(١) أخرجه البخاري (رقم: (٣٨٧) ومسلم (رقم: ٢٧٢) من حديث جرير به، وفيه قال إبراهيم - وهو النَّخَعي أحد رواته: (كان يُعْجِبُهم هذا الحديث، لأنَّ إسلامَ جَرِيرٍ كَانَ بَعْدَ نزُول المائدة)، هذا لفظ مسلم.
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (١/ ١٧٦) وابن المنذر في الأوسط (١/ ٤٣٩ - ٤٤٠) والبيهقي في الكبرى (١/ ٢٩٣) من طريق هُشَيم عن منصور عن ابن سيرينَ عن أفْلَحَ مولى أبي أيوب عن أبي أيوب الأنصاري: أنَّه كان يَأْمُر بالمسح على الخُفَّين ويَغْسِلُ قَدَمَيْه، فقيل له: كيفَ تأمُرنا بالمسح وأَنْتَ تَغْسِل؟ فقال: بِئْسَ مَالي إنْ كَانَ مَهْنَاةً لَكُم، وَمَأْثَمَةً عَلَيَّ، رأيتُ رسولَ الله يفْعَلُه ويَأمر به، ولَكِن حُبِّبَ إِليَّ الوُضُوء).
وأخرجه عبد الرزاق في المصنف (١/ ١٩٨) من طريق مَعْمَر عن أَيُّوب عن ابن سِيرِين أَنَّ أَبَا أيوب الأنصاري فذكره بنحوه.
(٣) قال القاضي عبد الوهاب المالكي في عيون المجالس (١/ ٢٣٥): "رُوِيت عن مالكٍ فيه=

<<  <  ج: ص:  >  >>