للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَكْرٍ وَعُمَرَ عَمِلَا بِأَحَدِ الحَدِيثَيْنِ وَتَرَكَا الآخَرَ، كَانَ ذَلِكَ دِلَالَةً عَلَى أَنَّ الحَقَّ فِيمَا عَمِلَا بِهِ.

وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ (١): كَانَ مَكْحُولٌ يَتَوَضَّأُ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ، فَلَقِيَ عَطَاءَ بِنَ أَبِي رَبَاحٍ؛ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ أَكَلَ كَتِفًا، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، فَتَرَكَ مَكْحُولٌ الوُضُوءَ، وَقَالَ: لأَنْ يَقَعَ أَبُو بَكْرٍ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يُخَالِفَ رَسُولَ اللَّهِ .

فَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ (٢) أَنَّهُ كَانَ يُوجِبُ الوُضُوءَ مِنْ أَكْلِ لُحُومِ الإِبِلِ، فَاحْتِجَاجُهُ بِحَدِيثِ جَابِرِ بن سَمُرَةَ (٣)، وَهُوَ مَنْسُوخٌ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ تَرْكُ الوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ (٤).

وَقِيلَ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الاِسْتِحْبَابِ وَالنَّظَافَةِ [الزُهُومَةِ] (٥) لَحْمِ الإِبِلِ، لَا عَلَى الإِيجَابِ.


= فوجَدت في ذلك الاخْتِلاف أبَا بكُرٍ وعُمَر، فَشُدَّ يَدَكَ به، فهو الحقُّ، وهو السُّنَّة). هذا لفظُ ابن المُنْذِر، ووقَعَ فِي التَّمْهِيد أَنَّهُ قالَ ذلِكِ لعُثْمَانَ البَتِّي، وينظر الاستذكار لابن عبد البر (١/ ١٧٥).
(١) أخرجه ابن عبد البر في التمهيد (٣/ ٣٥٢ - ٣٥٣)، وينظر أيضا الاستذكار له (١/ ١٧٥).
(٢) ينظر: المغني لابن قدامة (١/ ١٧٩)، الإنصاف للمرداوي (١/ ٢١٦)، والمحرر لأبي البركات بن تيمية (١/ ١٥).
(٣) أخرجه مسلم (رقم: ٣٦٠) عن جابر بن سمرة به.
(٤) قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم (٤/ ٦٦) عن مذهَبِ أحمد في إيجاب الوضُوء من أكل لحم الإبل: "وهذا المذْهَب أَقْوى دَليلا، وإن كانَ الجُمهور على خِلاِفه، وقد أَجَابَ الجُمْهُور عن هذا الحَدِيث بحديثِ جَابِرٍ: (كان آخر الأمرين … )، لكِن هذا حديثٌ عامٌّ، وحديثُ الوُضُوء مِن لُحُومِ الإِبِل خاصٌّ، والخاصُّ مُقَدَّمٌ على العَام، والله أعلم".
(٥) في المخطوط: (لسهولة) وهو خطأ، والمثبتُ هو الصَّواب الَّذِي يَقْتَضِيه السِّياق.

<<  <  ج: ص:  >  >>