وَقَالَ ابْنُ الْخُوبِيِّ: هَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ إثْبَاتٌ فَالْحَصْرُ ثَابِتٌ بِالْمَنْطُوقِ، وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ طَرِيقِ الْمَفْهُومِ، وَهَذَا الْكَلَامُ يَقْتَضِي جَرَيَانَ هَذَا الْخِلَافِ فِي " مَا " وَ " إلَّا " وَهُوَ بَعِيدٌ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهَا لَا تُفِيدُهُ أَصْلًا هُوَ رَأْيُ الْآمِدِيَّ، وَإِنَّمَا يُفِيدُ تَأْكِيدَ الْإِثْبَاتِ وَبِهِ يُشْعِرُ كَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ " حَيْثُ قَالَ: فَأَمَّا مَا لَيْسَ لَهُ مَعْنًى، فَمَا الْكَافَّةُ تَعْمَلُ مَا يَعْمَلُ دُونَهَا تَقُولُ: إنَّ زَيْدًا مُنْطَلِقٌ، وَإِنَّمَا زَيْدٌ مُنْطَلِقٌ. وَحَكَاهُ ابْنُ الْفَارِضِ الْمُعْتَزِلِيُّ فِي النُّكَتِ " عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْجُبَّائِيُّ وَابْنِهِ أَبِي هَاشِمٍ. قَالَ: وَهُوَ يُحْكَى عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ. وَنَصَرَهُ ابْنُ بَرْهَانٍ النَّحْوِيُّ فِي شَرْحِ اللُّمَعِ " وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَيَّانَ. وَاشْتَدَّ نَكِيرُهُ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ، وَنَقَلَهُ عَنْ الْبَصْرِيِّينَ. وَنَقَلَ الْغَزَالِيُّ عَنْ الْقَاضِي أَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْحَصْرِ، وَيَحْتَمِلُ التَّأْكِيدَ ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَوَافَقَهُ إلْكِيَا، وَاَلَّذِي فِي التَّقْرِيبِ " لِلْقَاضِي أَنَّهَا مُحْتَمِلَةٌ لِتَأْكِيدِ الْإِثْبَاتِ وَمُحْتَمِلَةٌ لِلْحَصْرِ، وَزَعَمَ أَنَّ الْعَرَبَ اسْتَعْمَلَتْهَا لِكُلٍّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا ظَاهِرَةٌ فِي الْحَصْرِ. وَأَنْكَرَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْمُسْتَصْفَى " وَالْعَبْدَرِيُّ فِي شَرْحِهِ " إفَادَتَهَا الْحَصْرَ وَقَالَا: إنَّهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي اللُّغَةِ: وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الشَّيْءِ.
قَالَ ابْنُ السَّيِّدِ: قَالَ نُحَاةُ الْبَصْرَةِ: مَعْنَاهَا الِاقْتِصَارُ كَقَوْلِك: إنَّمَا زَيْدٌ شُجَاعٌ، لِمَنْ ادَّعَى لَهُ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الصِّفَاتِ، وَالتَّحْقِيرُ كَقَوْلِك: إنَّمَا وَهَبَتْ دِرْهَمًا، لِمَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ وَهَبَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى الِاقْتِصَارِ. وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي رَدِّ النَّفْيِ إلَى حَقِيقَتِهِ إذَا وُصِفَ بِمَا لَا يَلِيقُ بِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [النساء: ١٧١] {إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [الكهف: ١١٠] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute