وُجُودِ الْأَمْرِ، وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ ذَلِكَ يُسْتَعْمَلُ إنْشَاءً فَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ؛ وَهُوَ كَوْنُ الصِّيغَةِ مُخْتَصَّةً بِهِ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِخْبَارِ فَلَا تَكُونُ الصِّيغَةُ مُخْتَصَّةً بِهِ. وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ: إنَّمَا صَارَ شَيْخُنَا أَبُو الْحَسَنِ إلَى أَنَّهُ لَا صِيغَةَ لِلْأَمْرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُتَلَقَّى مِنْ الْعَقْلِ؛ إذْ الْعَقْلُ لَا يَدُلُّ عَلَى وَضْعِ الصِّيَغِ وَالْعِبَارَاتِ، وَإِنَّمَا يُتَلَقَّى مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ وَقَدْ اسْتَعْمَلَتْهَا الْعَرَبُ فِي جِهَاتٍ كَثِيرَةٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ فِي كِتَابِهِ: فَذَهَبَ أَئِمَّةُ الْفُقَهَاءِ [إلَى] أَنَّ الْأَمْرَ لَهُ صِيغَةٌ تَدُلُّ بِمُجَرَّدِهَا عَلَى كَوْنِهَا أَمْرًا إذَا تَعَرَّتْ عَنْ الْقَرَائِنِ، وَذَهَبَ الْمُعْتَزِلَةُ غَيْرَ الْبَلْخِيّ إلَى أَنَّهُ لَا صِيغَةَ لَهُ، وَلَا يَدُلُّ اللَّفْظُ بِمُجَرَّدِهِ عَلَى كَوْنِهِ أَمْرًا وَإِنَّمَا يَكُونُ أَمْرًا بِقَرِينَةِ الْإِرَادَةِ.
قَالَ: وَذَهَبَ الْأَشْعَرِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُ إلَى أَنَّ الْأَمْرَ هُوَ مَعْنًى قَائِمٌ بِنَفْسِ الْأَمْرِ لَا يُفَارِقُ الذَّاتَ وَلَا يُزَايِلُهَا؟ وَكَذَلِكَ عَنْهُ سَائِرُ أَقْسَامِ الْكَلَامِ مِنْ النَّهْيِ وَالْخَبَرِ وَالِاسْتِخْبَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ كُلُّ هَذِهِ عِنْدَهُ مَعَانٍ قَائِمَةٌ بِالذَّاتِ لَا تُزَايِلُهَا؟ كَالْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ، وَكَانَ ابْنُ كِلَابٍ يَقُولُ: هِيَ حِكَايَةُ الْأَمْرِ، وَخَالَفَهُ الْأَشْعَرِيُّ، وَقَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: هِيَ حِكَايَةٌ لِاسْتِلْزَامِهَا أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ مِثْلَ الْمَحْكِيِّ لَكِنْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَمْرِ الْقَائِمِ بِالنَّفْسِ. قَالَ: وَعَلَى هَذَا فَلَا خِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَمْرُ عِنْدَهُمْ هُوَ الْمَعْنَى الْقَائِمَ بِالنَّفْسِ، فَذَلِكَ الْمَعْنَى لَا يُقَالُ: إنَّهُ لَهُ صِيغَةٌ أَوْ لَيْسَتْ لَهُ صِيغَةٌ، وَإِنَّمَا يُقَالُ ذَلِكَ فِي الْأَلْفَاظِ. وَلَكِنْ يَقَعُ الْخِلَافُ فِي اللَّفْظِ الَّذِي هُوَ عِنْدَهُمْ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَمْرِ، وَلَا دَالًّا عَلَى ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ صِيغَتِهِ، وَلَكِنْ يَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى مَا بَيَّنَهُ الدَّلِيلُ، فَإِنْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْعِبَارَةُ عَنْ الْأَمْرِ حُمِلَ عَلَيْهِ. وَإِنْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْعِبَارَةُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute