التَّهْدِيدِ وَالتَّعْجِيزِ وَالتَّحْقِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ حُمِلَ عَلَيْهِ، ثُمَّ احْتَجَّ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لَهُ صِيغَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: ٨٢] قَالَ: فَفِي هَذِهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُولُ: لَا صِيغَةَ لِلْأَمْرِ حَيْثُ قَالَ: إنَّمَا أَمْرُهُ فَجَعَلَ أَمْرَهُ " كُنْ "، وَهِيَ صِيغَةٌ، وَفِيهَا رَدٌّ عَلَى الْقَائِلِينَ: إنَّ الْأَمْرَ يَتَضَمَّنُ الْإِرَادَةَ، فَإِنَّ الْآيَةَ فِيهَا الْفَصْلُ بَيْنَ الْإِرَادَةِ وَالْأَمْرِ قَالَ: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ} [يس: ٨٢] .
قَالَ: وَالدَّلِيلُ الْمُعْتَمَدُ لِأَصْحَابِنَا أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ الَّذِينَ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلُغَتِهِمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ صِيغَةِ الْأَمْرِ وَالْخَبَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَقْسَامِ الْكَلَامِ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: ذَهَبَ الْأَشْعَرِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ إلَى الْقَوْلِ بِالْوَقْفِ، وَحُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ} [النور: ٣٢] لَا يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى إيجَابِ الْعَقْدِ، وَعَلَى وَلِيِّ الْمَرْأَةِ لِتَرَدُّدِ الْأَمْرِ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالنَّدْبِ. لَكِنَّ الْوَاقِفِيَّةِ اخْتَلَفُوا فِي حَقِيقَةِ الْوَقْفِ هَلْ هُوَ وَقْفُ جَهَالَةٍ بِمَا عِنْدَ الْعَرَبِ، أَوْ وَقْفُ عَارِفٍ بِمَا عِنْدَهُمْ، وَهُوَ كَوْنُ هَذَا اللَّفْظِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمَصَارِفِ الْآتِيَةِ فَيَقِفُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْمُرَادُ بِاللَّفْظِ الْمُجْمَلِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. قَالَ: وَأَمَّا مَنْ نَقَلَ عَنْ الْأَشْعَرِيِّ الْوَقْفَ، وَإِنْ ظَهَرَتْ الْقَرَائِنُ فَقَدْ أَغْلَى، وَلَوْ ثَبَتَ فَلَعَلَّ الْوَقْفَ فِي الْإِفَادَةِ بِمَا جُعِلَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ أَوْ اللِّسَانُ. انْتَهَى.
وَذَهَبَ غَيْرُ الْوَاقِفِيَّةِ إلَى أَنَّهَا ظَاهِرَةٌ فِي الْوُجُوبِ، وَنَقَلَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ عَنْ أَصْحَابِنَا. قَالَ: وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْأَمْرَ عَلَى أَوْجُهٍ كَثِيرَةٍ، وَالظَّاهِرُ مِنْهَا لِلْوُجُوبِ إلَّا أَنَّ الدَّلِيلَ قَامَ فِي بَعْضِهَا عَلَى غَيْرِ الْوُجُوبِ، وَمُخْتَارُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ الْقَطْعُ بِاقْتِضَائِهَا الطَّلَبَ الْمُنْحَصِرَ مَصِيرًا إلَى أَنَّ الْعَرَبَ فَصَلَتْ بَيْنَ قَوْلِ الْقَائِلِ: " افْعَلْ " وَبَيْنَ قَوْلِهِ: " لَا تَفْعَلْ ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute