للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّ التَّكْوِينَ سُرْعَةُ الْوُجُودِ عَنْ الْعَدَمِ، وَلَيْسَ فِيهِ انْتِقَالٌ إلَى حَالٍ مُمْتَهَنَةٍ، بِخِلَافِ السُّخْرِيَةِ فَإِنَّهُ لُغَةً: الذُّلُّ وَالِامْتِهَانُ. الثَّالِثَ عَشَرَ: التَّعْجِيزُ، نَحْوَ {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة: ٢٣] {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} [الطور: ٣٤] .

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّسْخِيرِ أَنَّ التَّسْخِيرَ نَوْعٌ مِنْ التَّكْوِينِ، فَإِذَا قِيلَ: كُونُوا قِرَدَةً مَعْنَاهُ انْقَلِبُوا إلَيْهَا، وَالتَّعْجِيزُ إلْزَامُهُمْ بِالِانْقِلَابِ لِيَظْهَرَ عَجْزُهُمْ لَا لِيَنْقَلِبُوا إلَى الْحِجَارَةِ، وَمَثَّلَهُ الصَّيْرَفِيُّ وَالْقَفَّالُ بِقَوْلِهِ: {كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا} [الإسراء: ٥٠] قَالَ: وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ لَيْسَ فِي قُدْرَتِهِمْ قَلْبُ الْأَعْيَانِ، وَلَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّنْ يَخْتَرِعُ وَيُسَخِّرُ، عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ كُونُوا كَذَا، تَعْجِيزٌ أَيْ: أَنَّكُمْ لَوْ كُنْتُمْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا لَمْ تُمْنَعُوا مِنْ جَرْيِ قَضَاءِ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، وَكَذَا جَعَلَهُ ابْنُ بَرْهَانٍ وَالْآمِدِيَّ مِنْ أَمْثِلَةِ التَّعْجِيزِ، وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ فِي تَفْسِيرِهِ " عِنْدِي فِي التَّمْثِيلِ بِهِ نَظَرٌ، وَإِنَّمَا التَّعْجِيزُ حَيْثُ يُقْتَضَى بِالْأَمْرِ فِعْلُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْمُخَاطَبُ: كَقَوْلِهِ: {فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ} [آل عمران: ١٦٨] وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا هَذِهِ الْآيَةُ فَمَعْنَاهَا كُونُوا بِالتَّوَهُّمِ، وَالتَّقْدِيرُ كَذَا وَكَذَا.

الرَّابِعَ عَشَرَ: التَّسْوِيَةُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ نَحْوَ {فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا} [الطور: ١٦] هَكَذَا مَثَّلُوا بِهِ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ: {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ} [الطور: ١٦] جُمْلَةٌ مُبَيِّنَةٌ مُؤَكِّدَةٌ لِقَوْلِهِ: {فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا} [الطور: ١٦] ؛ لِأَنَّ الِاسْتِوَاءَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ بِالصَّرِيحِ أَرْدَفَهُ مُبَالَغَةً فِي الْحَسْرَةِ عَلَيْهِمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ صِيغَةَ " افْعَلْ " أَوْ لَا " تَفْعَلْ " وَحْدَهَا لَا تَقْتَضِي التَّعْجِيزَ، وَلَا اسْتَعَارَ لَهَا بِالتَّسْوِيَةِ إلَّا مِنْ جِهَةِ أَنَّ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>