وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ قَطْعًا، وَلَا يُنَبِّئُ عَنْ نَفْيِ مَا عَدَاهَا، وَلَكِنْ يَتَرَدَّدُ الْأَمْرُ فِي الزَّائِدِ عَلَى الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ، وَهُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ الْقَاضِي، كَمَا نَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي التَّلْخِيصِ ". قَالَ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ: أَنَّ الْأَوَّلِينَ قَطَعُوا بِأَنَّ الْأَمْرَ يُحْمَلُ عَلَى الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ، وَلَا يَحْتَمِلُ مَعْنًى غَيْرَهَا، فَافْهَمْ الْفَصْلَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ. قَالَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ: الْقَائِلُونَ بِاقْتِضَائِهِ لِلْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ اخْتَلَفُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَقْتَضِيهَا لَفْظًا، وَمِنْهُمْ مَنْ نَفَى ذَلِكَ، وَزَعَمَ أَنَّ اقْتِضَاءَهُ لَهَا إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ الدَّلَالَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ، وَهِيَ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ إلَّا الطَّلَبَ بِتَحْصِيلِ الْمَاهِيَّةِ مِنْ غَيْرِ إشْعَارٍ بِالْوَحْدَةِ وَالْكَثْرَةِ، لَكِنْ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْ تَحْصِيلُهَا بِدُونِ الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ قُلْنَا: دَلَّ عَلَيْهَا الْأَمْرُ ضَرُورَةً، بِخِلَافِ الْكَثْرَةِ فَإِنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَيْهَا لَفْظًا وَلَا مَعْنًى.
قَالَ: وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ وَالْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّ مُقْتَضَى الصِّيغَةِ الِامْتِثَالُ، وَالْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ لَا بُدَّ مِنْهَا، وَأَمَّا الزَّائِدُ عَلَيْهَا فَيُتَوَقَّفُ فِيهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْغَزَالِيِّ. انْتَهَى. وَهَذَا الْأَخِيرُ حَكَاهُ صَاحِبُ الْمَصَادِرِ " عَنْ الشَّرِيفِ الْمُرْتَضَى، وَقَالَ: إنَّهُ الصَّحِيحُ، وَاَلَّذِي فِي الْبُرْهَانِ " لِلْإِمَامِ أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الِامْتِثَالَ بِالْمَرَّةِ وَهُوَ فِي الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا عَلَى الْوَقْفِ بِتَوَقُّفٍ عَلَى الْقَرِينَةِ، وَهُوَ يَرُدُّ نَقْلَ الْآمِدِيُّ عَنْهُ الثَّالِثَ فَاعْلَمْهُ. وَالْخَامِسُ الْوَقْفُ فِي الْكُلِّ، وَهُوَ رَأْيُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَجَمَاعَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute