وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْفَوْرَ، وَلَهُ التَّأْخِيرُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَمُوتَ حَتَّى يَفْعَلَهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنْ أَصْحَابِنَا، كَمَا قَالَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيَّ. قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْحَجِّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَشْعَرِيَّةِ وَسَائِرُ الْمُعْتَزِلَةِ، وَنَقَلَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ لَمَّا ذَكَرَهُ فِي تَأْخِيرِ الْحَجِّ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى التَّرَاخِي عَلَى حَسَبِ مَا قَالَهُ فِي الْحَجِّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ: عَزَوْهُ إلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ اللَّائِقُ بِتَفْرِيعَاتِهِ بِالْفِقْهِ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ فِي مَجْمُوعَاتِهِ فِي الْأُصُولِ. وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي الْوَجِيزِ ": لَمْ يُنْقَلْ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَلَا أَبِي حَنِيفَةَ نَقْلٌ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَإِنَّمَا فُرُوعُهُمَا تَدُلُّ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْهُمَا.
قَالَ: وَهَذَا خَطَأٌ فِي نَقْلِ الْمَذَاهِبِ، إذْ الْفُرُوعُ تُبْنَى عَلَى الْأُصُولِ لَا الْعَكْسُ، وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانَ وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي بَكْرٍ الْقَفَّالِ وَأَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ صَاحِبِ الْإِفْصَاحِ " وَكَذَا نَقَلَهُ ابْنُ بَرْهَانٍ فِي الْأَوْسَطِ " عَنْ الْقَاضِي، وَزَادَ أَبَا عَلِيٍّ وَأَبَا هَاشِمٍ الْجُبَّائِيَّيْنِ، وَنَقَلَهُ عَنْهُمَا صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ " أَيْضًا: قَالَ: وَجَوَّزُوا تَأْخِيرَ الْمَأْمُورِ بِهِ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِ الْإِمْكَانِ وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ وَالْإِمَامُ وَالْهِنْدِيُّ وَأَتْبَاعُهُمْ. وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ ": ذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَصْرِيُّ إلَى مَا اُشْتُهِرَ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ حَمْلِ الصِّيغَةِ عَلَى اتِّبَاعِ الِامْتِثَالِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى وَقْتٍ مُقَدَّمٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute