يَقْتَضِي، فَلَا مَعْنَى لِلتَّخْصِيصِ عَلَى هَذَا بِبَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ كَأَبِي هَاشِمٍ وَعَبْدِ الْجَبَّارِ، فَإِنَّ كُلَّ مَنْ قَالَ: الْإِجْزَاءُ لَيْسَ عِبَارَةً عَنْ سُقُوطِ الْقَضَاءِ عَلَى التَّفْسِيرِ الْمُتَقَدِّمِ يَلْزَمُ أَنْ يَقُولَ: لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْفِعْلِ مُجْزِئًا سُقُوطُ الْقَضَاءِ وَلَعَلَّ الْأَقْرَبَ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي سُقُوطِ الْقَضَاءِ لَا فِي سُقُوطِ التَّعَبُّدِ بِهِ، وَكَوْنُهُ امْتِثَالًا وَطَاعَةً؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَالتَّنَاقُضِ فَيَبْعُدُ وُقُوعُ الْخِلَافِ فِيهِ؛ لِأَنَّ أَدِلَّتَهُمْ تُشْعِرُ بِذَلِكَ.
الثَّانِي أَنَّهُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ: لَا يَسْتَلْزِمُهُ أَنَّ فِعْلَ الْمَأْمُورِ بِهِ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْأَمْرِ بِالْقَضَاءِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْإِجْزَاءِ وَإِنَّمَا الْإِجْزَاءُ مُسْتَفَادٌ مِنْ عَدَمِ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْإِعَادَةِ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ عَبْدِ الْجَبَّارِ وَغَيْرِهِ فِي بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ عِنْدَ الْإِتْيَانِ بِالْمَأْمُورِ. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْبَرَاءَةَ الْأَصْلِيَّةَ اقْتَضَتْ الْعَدَمَ السَّابِقَ، وَعَبْدُ الْجَبَّارِ يَقُولُ: الْعَدَمُ اللَّاحِقُ الْكَائِنُ بَعْدَ الْفِعْلِ مُسْتَفَادٌ أَيْضًا مِنْ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، كَالْأَعْدَامِ الْكَائِنَةِ قَبْلَ الْفِعْلِ. وَقَدْ شَبَّهَ الْقَرَافِيُّ هَذَا الْخِلَافَ بِالْخِلَافِ فِي مَفْهُومِ الشَّرْطِ، كَقَوْلِهِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ، فَمَنْ نَفَاهُ قَالَ: عَدَمُ عِتْقِهِ مَا لَمْ يَأْتِ بِالْمَشْرُوطِ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْمِلْكِ السَّابِقِ، وَمَنْ أَثْبَتَهُ قَالَ: هُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ ذَلِكَ، وَمِنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ أَيْضًا. وَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْمَأْمُورِ عَلَى وَجْهِهِ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يُمْكِنُ إيرَادُ أَمْرٍ ثَانٍ بِعِبَادَةٍ يُوقِعُهَا الْمَأْمُورُ عَلَى حَسَبِ مَا أَوْقَعَ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ كَاسْتِئْنَافِ شَرْعٍ وَتَعَبُّدٍ ثَانٍ. وَالنِّزَاعُ فِي تَسْمِيَةِ هَذَا الْأَمْرِ الثَّانِي قَضَاءٌ لِلْأَوَّلِ، فَالْجُمْهُورُ يَنْفُونَهُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عِنْدَهُمْ مَا فُعِلَ بَعْدَ وَقْتِ الْأَدَاءِ اسْتِدْرَاكًا لِمَا سَبَقَ وُجُوبُهُ، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute