وَالثَّالِثُ: تِلْكَ الْمَاهِيَّةُ بِقَيْدِ كَوْنِهَا كُلِّيَّةً، وَهُوَ الْعَقْلِيُّ. فَأَمَّا الطَّبِيعِيُّ: فَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْأَعْيَانِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْبَيْعَ مَوْجُودٌ، وَجُزْءُ هَذَا الْبَيْعِ نَفْسُ الْبَيْعِ بِالضَّرُورَةِ، وَجُزْءُ الْمَوْجُودِ مَوْجُودٌ. وَأَمَّا الْمَنْطِقِيُّ وَالْعَقْلِيُّ: فَفِي وُجُودِهِمَا فِي الْخَارِجِ خِلَافٌ يَتَفَرَّعُ عَلَى أَصْلٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الْأُمُورَ النِّسْبِيَّةَ هَلْ لَهَا وُجُودٌ فِي الْخَارِجِ أَمْ لَا؟ وَفِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُقَلَاءِ. قَالَ: وَبِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ يَتَبَيَّنُ ضَعْفُ كَلَامِ الْآمِدِيَّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْبِيَاعَاتِ هُوَ الْكُلِّيُّ الطَّبِيعِيُّ، وَلَا شَكَّ فِي وُجُودِهِ فِي الْأَعْيَانِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْكُلِّيَّيْنِ الْآخَرَيْنِ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ عَدَمُ تَصَوُّرِهِ فِي نَفْسِ الطَّلَبِ وَلُزُومِ التَّكْلِيفِ بِمَا لَا يُطَاقُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُطْلَقِ غَيْرُ الْقَيْدِ فِي اللَّفْظِ بِقَيْدٍ أَوْ وَصْفِهِ، بَلْ أَطْلَقَ إنْ طُلِبَ فِعْلٌ مِنْ الْأَفْعَالِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا لَا يُطْلَبُ إيقَاعُهُ فِي الْأَعْيَانِ لَا يَكُونُ كُلِّيًّا؛ لِأَنَّ الْكُلِّيَّ لَيْسَ فِي الْخَارِجِ وَلَا يَقْبَلُهُ الْخَارِجُ، وَإِذَا كَانَ هَكَذَا فَيَكُونُ الْمَطْلُوبُ جُزْئِيًّا.
قُلْنَا: وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ جُزْئِيًّا مُعَيَّنًا عِنْدَ الْمُكَلَّفِ تَقَعُ فِيهِ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ قَطْعًا فَإِذَنْ يَكُونُ الْمَطْلُوبُ جُزْئِيًّا غَيْرَ مُعَيَّنٍ مِثْلَ النَّكِرَاتِ كُلِّهَا كَمَا تَقُولُ: إذَا لَقِيت رَجُلًا فَأَكْرِمْهُ، فَلَا شَكَّ أَنَّ الَّذِي يَلْقَاهُ هُوَ جُزْئِيٌّ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ وَيُفَسِّرُ اللِّقَاءُ بِمُعَيَّنٍ، وَالْقَائِلُ الْآخَرُ يَقُولُ: الْمَطْلُوبُ الْمَاهِيَّةُ الْكُلِّيَّةُ وَيَتَفَسَّرُ بِجُزْءٍ مِنْهَا أَوْ جُزْئِيَّاتٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute