مَذْهَبُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ وَنَقَلَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ قَالَ: وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: عَلَيْهِ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ وَالْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ، وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ فِي التَّقْوِيمِ ": إنَّهُ الْمُخْتَارُ وَبِهِ جَزَمَ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ، فَقَالَ: إنَّهُ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ بِدَلَالَةِ الِالْتِزَامِ وَكَذَا اقَالَ الْبَزْدَوِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ مِنْهُمْ، وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ وَالْمَازِرِيُّ: إنَّ الْقَاضِيَ مَالَ إلَيْهِ فِي آخِرِ مُصَنَّفَاتِهِ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْوَاضِحِ ": وَقَصَدَ الْفُقَهَاءُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ فَلِهَذَا قَالُوا: إنَّهُ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ ثُمَّ رَدَّ الْإِمَامُ عَلَى مَنْ قَالَ: هُوَ عَيْنُهُ بِأَنَّهُ جَحْدٌ لِلضَّرُورَةِ فَإِنَّ الْقَوْلَ الْمُعَبَّرَ عَنْهُ " بِ افْعَلْ " مُغَايِرٌ لِلْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِ " لَا تَفْعَلْ " قِيلَ: وَهَذَا مِنْهُ غَلَطٌ أَوْ مُغَالَطَةٌ؛ إذْ لَيْسَ الْكَلَامُ فِي " افْعَلْ " وَ " لَا تَفْعَلْ " بَلْ فِي " افْعَلْ " وَ " لَا تَتْرُك " وَلَيْسَ بُطْلَانُ اتِّحَادِ مَدْلُولِهِمَا ضَرُورِيًّا، وَأُبْطِلَ مَذْهَبُ التَّضَمُّنِ بِأَنَّ الْأَمْرَ قَدْ لَا يَخْطِرُ لَهُ الضِّدُّ، وَلَوْ خَطَرَ لَهُ فَلَا قَصْدَ لَهُ فِي تَرْكِهِ إلَّا عَلَى مَعْنَى أَنَّ ذَلِكَ وَسِيلَةٌ إلَى الْمَأْمُورِ بِهِ، وَاعْتَرَفَ بِأَنَّهُ يَرَى اسْتِلْزَامَ الْوُجُوبِ الْوَعِيدَ عَلَى التَّرْكِ فَكَيْفَ لَا يَخْطِرُ لَهُ الضِّدُّ مِنْ التَّرْكِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُتَوَعَّدًا عَلَيْهِ؟ ثُمَّ هَذَا الْخِلَافُ فِي الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَخْلُوقِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَغْفُلُ عَنْ الضِّدِّ، وَأَمَّا اللَّهُ - تَعَالَى - فَكَلَامُهُ وَاحِدٌ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ ذُهُولٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَابْنُ الْقُشَيْرِيّ. وَاحْتَرَزْنَا بِقَوْلِنَا: مُعَيَّنٌ عَنْ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ وَالْمُوَسَّعِ، فَإِنَّ الْأَمْرَ بِهِمَا لَيْسَ نَهْيًا عَنْ الضِّدِّ.
وَالْمَسْأَلَةُ مَقْصُورَةٌ عَلَى الْوَاجِبِ الْمُعَيَّنِ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ وَالْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ ". وَاحْتَرَزْنَا بِالْوُجُودِيِّ عَنْ التَّرْكِ فَإِنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ تَرْكِهِ بِطَرِيقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute