تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ أَطْلَقُوا الْأَمْرَ، وَهُوَ يَشْمَلُ الْوَاجِبَ وَالْمَنْدُوبَ، وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي فِي مُخْتَصَرِ التَّقْرِيبِ " وَجَعَلَهَا نَهْيًا عَنْ الضِّدِّ تَحْرِيمًا وَتَنْزِيهًا، وَنُقِلَ تَخْصِيصُهُ بِالْوَاجِبِ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْحَقِّ، وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْمُلَخَّصِ " عَنْ الشَّيْخِ، فَقَالَ: ذَهَبَ الشَّيْخُ إلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ إنْ كَانَ لَهُ ضِدٌّ وَاحِدٌ، وَأَضْدَادُهُ إنْ كَانَ ذَا أَضْدَادٍ. وَحَكَى الْقَاضِي أَنَّهُ - يَعْنِي الشَّيْخَ - شَرَطَ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا لَا نَدْبًا. قَالَ: وَقَدْ حُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ أَنَّهُ قَالَ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ: إنَّ النَّدْبَ حَسَنٌ وَلَيْسَ مَأْمُورًا بِهِ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يَحْتَاجُ إلَى اشْتِرَاطِ الْوُجُوبِ فِي الْأَمْرِ؛ إذْ هُوَ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ إلَّا وَاجِبًا، ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي: وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ مِنْ وُجُوبٍ وَنَدْبٍ. قَالَ: وَلَا بُدَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الشَّيْخُ فِي ذَلِكَ شَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَعَ وُجُوبِهِ مُضَيِّقًا، مُسْتَحِقَّ الْعَيْنِ لِأَجْلِ أَنَّ الْوَاجِبَ الْمُوَسِّعَ لَيْسَ بِنَهْيٍ عَنْ ضِدِّهِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ، وَضِدُّ الْبَدَلِ مِنْهُ الَّذِي هُوَ بَدَلُ لَا مَا إذَا كَانَ أَمْرٌ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ التَّخْيِيرِ. انْتَهَى. وَهَذَا الشَّرْطُ الثَّانِي قَدْ سَبَقَ تَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ بِهِ، وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ: إذَا كَانَ شَيْءٌ وَاحِدٌ مُضَيِّقٌ مُعَيَّنٌ لَا بَدَلَ لَهُ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ أَيْضًا، فَقَالَ: هَذَا فِي الْأَمْرِ بِالشَّيْءِ عَلَى التَّنْصِيصِ لَا عَلَى التَّخْيِيرِ، فَإِنَّ الْأَمْرَ عَلَى التَّخْيِيرِ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِالشَّيْءِ وَضِدِّهِ، فَيَكُونُ الْوَاجِبُ أَحَدَهُمَا لَا بِعَيْنِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute