وَذَكَرَ عَبْدُ الْقَاهِرِ الْبَغْدَادِيُّ أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ إنَّمَا يَكُونُ عَنْ ضِدِّهِ إذَا كَانَ الْمَأْمُورُ بِهِ مُضَيَّقَ الْوُجُوبِ بِلَا بَدَلٍ وَلَا تَخْيِيرٍ، كَالصَّوْمِ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا يَكُونُ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ، كَالْكَفَّارَاتِ وَاحِدَةٌ مِنْهَا وَاجِبَةٌ مَأْمُورٌ بِهَا غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْ تَرْكِهَا، لِجَوَازِ رَدِّهَا إلَى غَيْرِهَا، كَمَا فِي الْأَمْرِ. وَقَدْ احْتَرَزَ الْقَاضِي عَنْ هَذَا فَقَالَ: الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ أَضْدَادِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَبَدَلِهِ الْقَائِمِ مَقَامَهُ إنْ كَانَ لَهُ بَدَلٌ، فَيَخْرُجُ بِذَلِكَ الْأَمْرُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى التَّخْيِيرِ. انْتَهَى. وَذَكَرَ صَاحِبُ الْقَوَاطِعِ " أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُصَوَّرَةٌ بِمَا إذَا كَانَ الْأَمْرُ يُوجِبُ تَحْصِيلَ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى الْفَوْرِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَرْكِ ضِدِّهِ عَقِبَ الْأَمْرِ كَمَا لَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهِ عَقِبَ الْأَمْرِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى التَّرَاخِي فَلَا، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ كَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ إنَّمَا يَقْتَضِي النَّهْيَ عَنْ ضِدِّهِ إذَا اقْتَضَى التَّحْصِيلَ عَلَى الْفَوْرِ.
وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَاسْتُشْكِلَ وَجْهُهُ الْمُوَسَّعُ إنْ لَمْ يَصْدُقْ عَلَيْهِ أَنَّهُ وَاجِبٌ فَأَيْنَ الْأَمْرُ حَتَّى يُسْتَثْنَى مِنْهُ قَوْلُهُمْ: الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ؟ وَإِنْ صَدَقَ عَلَيْهِ وَاجِبٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إخْلَاءُ الْوَقْتِ عَنْهُ فَضِدُّهُ الَّذِي يَلْزَمُ مِنْ فِعْلِهِ، تَفْوِيتُهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ إنْ صَدَقَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ انْقَدَحَ كَوْنُهُ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لِاسْتِثْنَائِهِ كَمَا قُلْنَا فِي الْمُخَيَّرِ. الثَّانِي: ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الضِّدِّ الَّذِي هُوَ الْأَمْرُ الْوُجُودِيُّ الَّذِي هُوَ مِنْ لَوَازِمِ نَقِيضِ الشَّيْءِ الْمَأْمُورِ بِهِ، فَالْأَمْرُ بِالْحَرَكَةِ هَلْ هُوَ نَهْيٌ عَنْ نَفْسِ السُّكُونِ الَّذِي هُوَ ضِدٌّ أَمْ لَا؟ هَذَا هُوَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ أَمَّا النَّقِيضُ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ هُوَ عَيْنُ النَّهْيِ عَنْ نَقِيضِهِ، فَإِنَّ الْحَرَكَةَ نَقِيضُ اللَّا حَرَكَةَ فَاللَّا حَرَكَةَ نَقِيضٌ، وَلَيْسَ بِضِدٍّ بَلْ ضِدُّ الْحَرَكَةِ هُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute