وَالْحَقُّ: أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ الزِّنَى وَالِاسْتِيلَاءَ مِنْ الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ وَلَا خِلَافَ عِنْدَهُمْ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ لِانْتِفَاءِ الْمَشْرُوعِيَّةِ، وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِمَشْرُوعِيَّةِ الزِّنَى وَالْغَصْبِ. وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ مَأْخَذَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ هُوَ إيقَاعُ الصَّوْمِ لَا الصَّوْمُ الْوَاقِعُ، وَهُمَا مَفْهُومَانِ مُتَغَايِرَانِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَحْرِيمِ الْإِيقَاعِ تَحْرِيمُ الْوَاقِعِ، كَمَا لَا يَلْزَمُ مِنْ تَحْرِيمِ الْكَوْنِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ تَحْرِيمُ نَفْسِ الصَّلَاةِ لِتَغَايُرِ الْمَفْهُومَيْنِ.
الثَّانِي: أَنَّ النَّهْيَ يَسْتَلْزِمُ تَصَوُّرَ حَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَيَقْتَضِي ذَلِكَ الصِّحَّةَ، وَالنَّهْيُ عَنْهُ قُبْحٌ لِذَاتِهِ، وَذَلِكَ قَائِمٌ بِالْوَصْفِ لَا بِالْفِعْلِ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَى الْأَصْلَيْنِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْمَعْصِيَةُ وَالصِّحَّةُ مُتَنَافِيَانِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الصِّحَّةِ تَرَتُّبُ الْآثَارِ الْمَشْرُوعَةِ عَلَى الشَّيْءِ فَلَا يَجْتَمِعُ الْمَشْرُوعِيَّةُ وَالْمَعْصِيَةُ فِي ذَاتٍ وَاحِدَةٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ، وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: النِّكَاحُ أَمْرٌ حُمِدْت عَلَيْهِ، وَالزِّنَى أَمْرٌ ذُمِمْت عَلَيْهِ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْمَلَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَلَا يَرِدُ وَطْءُ الْبَهِيمَةِ وَالْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُوصَفَانِ بِالتَّحْرِيمِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَقَدْ أُورِدَ عَلَى قَوْلِنَا: أَنَّ النَّهْيَ عَنْ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ يَقْتَضِي رَفْعَ الْمَشْرُوعِيَّةِ بِالْكُلِّيَّةِ كَالظِّهَارِ فَإِنَّهُ تَصَرُّفٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ مُحَرَّمٌ، وَقَدْ انْعَقَدَ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ الَّتِي هِيَ عِبَادَةٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ كَلَامَنَا فِي الْحُكْمِ الْمَطْلُوبِ شَرْعًا الْمُتَعَلِّقِ بِسَبَبٍ مَشْرُوعٍ كَالْبَيْعِ لِلْمِلْكِ وَالنِّكَاحِ لِلْحِلِّ، أَنَّهُ هَلْ يَبْقَى سَبَبًا لِذَلِكَ الْحُكْمِ بَعْدَ وُرُودِ النَّهْيِ عَنْهُ أَمْ لَا؟ أَمَّا الظِّهَارُ فَلَيْسَ بِتَصَرُّفٍ مَوْضُوعٍ لِحُكْمٍ مَطْلُوبٍ شَرْعًا بَلْ هُوَ حَرَامٌ، وَالْكَفَّارَةُ وَصَالِحًا لِإِيجَابِ الْجَزَاءِ بَلْ يَخُصُّهُ كَمَادَّةِ الْقَتْلِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لِعَيْنِهِ كَبَيْعِ الْمَلَاقِيحِ وَالْمَضَامِينِ فَإِنَّ الْبَيْعَ مُقَابَلَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute