ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي " الِاصْطِلَامِ " فِي مَسْأَلَةِ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ النَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ إذَا كَانَ لِطَلَبِ ضِدِّهِ فَيَكُونُ النَّهْيُ عَنْ نَفْسِ الشَّيْءِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِطَلَبٍ فَلَا يَكُونُ فِي نَفْسِهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ. قَالَ: وَعَلَى هَذَا تُخَرَّجُ الْمَسَائِلُ بِالنَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ لَيْسَ لِطَلَبِ ضِدِّهَا، وَهُوَ تَرْكُ الصَّلَاةِ، وَكَذَلِكَ الْبَيْعُ فِي وَقْتِ النِّدَاءِ حَتَّى لَوْ اشْتَغَلَ بِشَيْءٍ غَيْرِ الْبَيْعِ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ، وَلَوْ بَاعَ وَهُوَ يَسْعَى لَمْ يَكُنْ مَنْهِيًّا عَنْهُ، وَكَذَا النَّهْيُ عَنْ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ لَمْ يَكُنْ لِطَلَبِ ضِدِّهِ، وَهُوَ بَقَاءُ النِّكَاحِ حَالَةَ الْحَيْضِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ وَهِيَ طَاهِرٌ، ثُمَّ حَاضَتْ فَلَا نِكَاحَ، وَالْحَيْضُ مَوْجُودٌ؟ وَكَذَلِكَ النَّهْيُ عَنْ الْإِحْرَامِ مُجَامِعًا، وَغَيْرُ ذَلِكَ، بِخِلَافِ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ وَنِكَاحِ الْمَحَارِمِ وَغَيْرِهِ. قُلْت: وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي بَابِ النَّذْرِ مِنْ " تَعْلِيقِهِ " فَقَالَ: كُلُّ نَهْيٍ يُطْلَبُ لِضِدِّ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَهُوَ لِعَيْنِهِ، كَصَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ، وَكُلُّ نَهْيٍ لَمْ يَكُنْ لِطَلَبِ ضِدِّ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لِعَيْنِهِ كَالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ.
وَالْحَقُّ: أَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّهْيِ رُجُوعُهُ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ وَلَا يُحْكَمُ فِيهِ بِتَعَدُّدِ الْجِهَةِ إلَّا بِدَلِيلٍ خَاصٍّ فِيهِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ قَوْلِ الشَّارِعِ: حُرْمَةُ صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ يَحْرُمُ إمْسَاكُهُ مَعَ النِّيَّةِ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ عِنْدَ إطْلَاقِهِ سِوَاهُ، فَمَنْ أَرَادَ صَرْفَ التَّحْرِيمِ عَنْ الْحَقِيقَةِ إلَى أَمْرٍ خَارِجٍ احْتَاجَ إلَى الدَّلِيلِ، وَلِهَذَا قَطَعَ الشَّافِعِيُّ بِبُطْلَانِهِ؛ إذْ لَمْ يَظْهَرْ صَرْفُ التَّحْرِيمِ إلَى أَمْرٍ خَاصٍّ بِدَلِيلٍ خَاصٍّ وَقَطَعَ بِصِحَّةِ الطَّلَاقِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ [لِانْصِرَافِ التَّحْرِيمِ عَنْ الْحَقِيقَةِ] إلَى أَمْرٍ خَارِجٍ وَهُوَ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ، أَوْ لُحُوقِ النَّدَمِ عَنْ الشَّكِّ فِي وُجُودِ الْوَلَدِ لِدَلِيلٍ دَلَّ عَلَيْهِ وَكَذَا قَطَعَ بِبُطْلَانِ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ وَلَمْ يَلْحَظْ الْمَعْنَى الْخَارِجَ مِنْ كَوْنِهِ مُقَدِّمَةَ الْإِفْسَادِ. الْحَادِيَ عَشَرَ: ضَايَقَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي بَعْضِ خِلَافِيَّاتِهِ فِي قَوْلِهِمْ: نَهَى عَنْهُ لِعَيْنِهِ، وَقَالَ: النَّهْيُ أَبَدًا إنَّمَا يُرَادُ لِغَيْرِهِ لَا لِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عُرِفَ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute