أَصْلِنَا أَنَّ الْأَحْكَامَ لَيْسَتْ بِأَوْصَافٍ ذَاتِيَّةٍ لِلْأَفْعَالِ بَلْ عِبَارَةٌ عَنْ تَعْلِيقِ خِطَابِ الشَّرْعِ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ بِالْمَنْعِ تَارَةً، وَبِالْبَحْثِ أُخْرَى قَالَ: وَهَكَذَا نَقُولُ فِي بَيْعِ الْحُرِّ: لَا يَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْهُ لِعَيْنِهِ، وَإِنَّمَا يُنْهَى عَنْهُ لِغَيْرِهِ، وَالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ، وَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ وَنَحْوِهِ، وَالنَّهْيُ فِيهِ لَمْ يَكُنْ مُتَنَاوِلًا لِلصَّلَاةِ وَالْبَيْعِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مُرْتَكِبًا لِلنَّهْيِ بِدُونِ الْبَيْعِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَالنَّهْيُ يُوجِبُ فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ إذَا صَادَفَ عَيْنَ الشَّيْءِ بِالِاتِّفَاقِ.
الثَّانِيَ عَشَرَ: إذَا جَعَلْنَا الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا هُوَ فِي نَهْيِ التَّحْرِيمِ فَقَطْ، فَإِنَّمَا هُوَ فِي صِيغَةِ " لَا تَفْعَلْ " فَإِنَّهُ الْحَقِيقِيُّ فِي التَّحْرِيمِ كَعَكْسِهِ فِي الْأَمْرِ، أَمَّا لَفْظُ " نَهَى " فَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْكَرَاهَةِ وَالتَّحْرِيمِ كَمَا سَبَقَ، فَلَا يَنْتَهِضُ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى التَّحْرِيمِ كَاسْتِدْلَالِ أَصْحَابِنَا عَلَى بُطْلَانِ بَيْعِ الْغَائِبِ وَنَحْوِهِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» فَيُقَالُ: هَذِهِ الصِّيغَةُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ التَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ، وَالنَّهْيُ الْمُقْتَضِي لِلْفَسَادِ إنَّمَا هُوَ فِي نَهْيِ التَّحْرِيمِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: " لَا تَفْعَلْ ". الثَّالِثَ عَشَرَ: إذَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ لِلْفَسَادِ، فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْوَاضِحِ ": لَا يَكُونُ مَجَازًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ مُوجِبِهِ، وَإِنَّمَا انْتَقَلَ عَنْ بَعْضِهِ فَصَارَ كَالْعُمُومِ الَّذِي خَرَجَ بَعْضُهُ يَبْقَى حَقِيقَةً فِيمَا بَقِيَ، وَهَذَا مِنْهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى الْفَسَادِ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ، فَإِنْ قُلْنَا بِالصَّحِيحِ أَنَّهُ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute